للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال من ذهب إلى الأخذ بالخَمْسِ رَضَعَاتٍ: إنَّ هذا ممّا نُسِخَ خَطُّهُ وَبَقِيَ حُكْمُه كآية الرَّجْمِ، وهذا لا يصحّ؛ لأنّ نسخَ القرآنِ لا يصحُّ أنَّ ينسخ إلّا بأمر اللهِ، ولا يصحْ إِلَّا في حياةِ النَّبيِّ عليه السّلام، وأمّا بعد وفاتِهِ، فلا يجوزُ أنّ يذهبَ من صدورِ الرَّجالِ، لقوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (١) وقد أَخبَرَتْ هيَ أنَّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - تُوُفِّيَ وَالخمْسُ رَضَعَاتٍ تُقْرَأُ في الْقُرْآنِ، ولو كان ذلك لَمَا سَقَطَ من القرآدب، فلعلَّها أرادت أنَّ رسولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - تُوُفِّيَ وهُن ممّا يُفرَأنَ منَ القرآنِ المنسوخِ، أي يعلم أنَّ ذلك كان قرآنًا فَنُسِخَ خَطُّهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ كآية الرَّجمِ، فكان مِمَّا يُذْكَرُ في القرآنِ المنسوخِ خَطُّهُ، والله أعلمُ.

المسألة الثّانية (٢):

قال علماؤنا (٣): والرَّضَاعُ يَحْرُمُ بِلَبَنِ المسلماتِ والمشركاتِ، الحرائرِ والإِمَاءِ، الأموات والأحياء، من قِبَلِ الأُمِّ ومن قِبَلِ الفحل، إنَّ كان الوطءُ حلالًا، أو بوجهِ شُبْهَةٍ، يلحق به الولد.

واختلفَ العلّماءُ إذا كان الوَطْءُ حرامًا لا شُبْهَةَ فيه كَوَطْءِ الزِّنا، ومن تزوَّجَ مَنْ لا تحلُ له وهو عَالِمٌ، هل تَقَعُ به الحرمَة مِنْ قِبَلِ الفحل أم لا؟ على قولين، فكان مالك - رحمه الله - يرى أنَّ كلَّ وَطْءٍ لا يلحق به الوَلَد فلا يحرم بِلَبَنِهِ، يريد من قبل فحله، ثمّ رجع إلى أنَّه يُحَرِّمُ، وإلى هذا ذهب سحنون، وقال: مَا عَلِمْتُ مَنْ قال مِنْ أصحابنا أنّه لَا يُحَرِّمُ، إلّا عبد المَلِك، وهو خطأ صريح وقد أمر النَّبيُّ عليه السّلام سودة بأن تحتجب من وَلَدٍ أَلْحَقَهُ بِأَبِيهَا، لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بعُتْبَةَ (٤).


(١) الحجر:٩.
(٢) هذه المسألة مقتبسةٌ من المقدِّمات: ١/ ٤٩٥ - ٤٩٦.
(٣) المقصود هو الإمام ابن رشد الجدّ.
(٤) أخرجه البخاريّ (٢٠٥٣)، ومسلم (١٤٥٧) من حديث عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>