للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجهلٍ، وُيفْسَخُ البَيْع ما كان قائمًا في قول مالك وجميع أصحابه.

والحُجَّةُ في ذلك: أنَّ النَّبيِّ عليه السّلام أَمَرَ السَّعْدَيْنِ أنَّ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ المَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَبَاعَا كلَّ ثَلاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا، أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلاثَةٍ عَينَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -: "أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا" (١).

فإن فاتَ البَيْعُ، فليس له إِلَّا رأس المال، قَبَضَ الرِّبا أو لم يقبضه. فإن كان قَبَضَهُ ردَّهُ إلى صاحِبِهِ. وكذلك مَنْ أَرْبَى ثمَّ تابّ منه، فليس له إِلَّا رأس مَالِهِ، وما قَبَضَ من الرِّبا وجب عليه ردّه إلى مَنْ قَبَضَهُ منه، وإن لم يعلمه، تَصَدَّقَ به عنه، لقوله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} الآية (٢).

وأمّا مَنْ أَسْلَمَ وله رِبًا، فإن كان قَبَضَهُ فهو له، لقولِهِ تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} الآية (٣)، ولقولِهِ عليه السّلام: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ" (٤).

وأمّا إنَّ كان الرَّباَ لم يقبضه، فلا يَحِلّ له أنَّ يأخذه، وهو موضوعٌ عن الّذِي هو عليه، ولا خلافَ في هذا أَعْلَمُهُ، لقولِهِ: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} الآية (٥).

قيل: نزلت هذه الآية في قَوْمٍ أَسْلَمُوا, ولهم على قومٍ أموالٌ مِنَ الرِّبا كانوا أَرْبَوا عليهم، وكانوا قد قبضوا بعضه وبقي، فَعَفَا اللهُ لهم عَمَّا كانوا قبضوه، وحرَّمَ عليهم اقتضاء ما بَقِيَ منه (٦).


(١) أخرجه مالك في الموطَّأ (١٨٤٣) رواية يحيى.
(٢) البقرة: ٢٧٩.
(٣) البقرة: ٢٧٥.
(٤) أخرجه أبو يعلى (٥٨٤٧)، والبيهقي: ٩/ ١١٣، قال ابن أبي حاتم في علل الحديث: ١/ ٢٠٣ " هذا حديث لا أصل له"، وانظر تلخيص الحبير: ٤/ ١١٠.
(٥) البقرة: ٢٧٨.
(٦) أخرجه ابن الطّبريّ في تفسيره: ٥/ ٥١ (ط. هجر) عن الضّحَّاك، وانظر الدّرّ المنثور: ٣: ٣٧٣ (ط. هجر).

<<  <  ج: ص:  >  >>