للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - الخامس (١): قال مالك (٢): "لَيْسَ لِهَذَا الحَدِيثِ عِندَنَا حَدٌّ مَعرُوفٌ، وَلَا أَمرٌ مَعمُولٌ به" أشار إلى أنّ المجلسَ مجهولُ المُدَّةِ، ولو شَرَطَ الخِيَارَ مدَّة مجهولةً لبَطَلَ إجماعًا، فكيف يثبتُ حُكمٌ بالشَّرعِ بما لا يجوزُ شرطًا في الشّرعِ؟! وهذا شيءٌ لا يتفطَّنُ له إِلَّا مالك - رضي الله عنه -.

وظنّ بعض المتوسِّمين بالعلّم من الجَهَلَة؛ أنّ مالكًا إنّما تعلَّق فيه بعمل أهل المدينة، وهذه جهالة (٣).

فإن قيل: قد أثبتَ مالكٌ خِيَارَ المجلسِ في التّمليكِ.


(١) انظره في القبس: ٢/ ٨٤٤ - ٨٤٥.
(٢) في الموطَّأ (١٩٥٩) رواية يحيى.
(٣) اعتبر ابن الورّاق في مسائل الخلاف: ٨٣/ أأنّ هذا المستند باطل باتِّفاق. وفي هذا الموضوع يقول المؤلِّف في العارضة: ٦/ ٦ "فمن لا تحصيل له من أصحابنا يظنُّ أنّه يعني به أنّ عمل أهل المدينة بخلافِهِ فقدّم العمل عليه، ولم يفعل ذلك ولا فَعَلَهُ قطُّ، ولا ترك قطّ مالكٌ حديثًا لأجل مخالفة [أهل] المدينة له بعملهم وفتواهم. وقد توهّم عليه ابن الجويني فقال: يَروِي الحديث عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ثمّ يتركه لعمل أهل المدينة، يريد هذا الحديث، ولم يفهم الجويني عنه، بل أقام في جَوْنٍ [أي ظلمة]، فلم يتطلّع عليه. والذي قصد مالك من المعنى؛ قوله: هو أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لما جعل المتعاقدين بالخيار بعد تمام البيع ما لم يتفرّقا, ولم تكن تفرقتهما وانفصال أحدهما عن الآخر وقت معلوم ولا غاية معروفة إِلَّا أنّ يقوموا، أو يقوم أحدهما على مذهب المخالف، وهذه جهالة يقف عليها انعقاد البيع فيصير من بيع المنابذة والملامسة، بأن يقول له: إذا لمسته فقد وجب البيع، وإذا نبذته أو نبذت الحصاة فقد وجب البيع، وهذه صفة مقطوع بفسادها في العَقْد، فلا يتردّد الحديث ولم يتحصّل المراد منه، وإن كان فسّره بما يبين الجهالة فيه فيدخل تحت النّهي عن الغرر عمومًا، وتحت النّهي عن بيع الملامسة والمنابذة تنبهًا، وليس من قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ولا تفسيره، وإنّما هو من فهم ابن عمر وتقديره وأصل التّرجيح - الّذي هو معضلة الأصول - أنّ يقدّم المقطوع به على المظنون وأكثر رواية على الأقلّ، فهذا الّذي قصد مالك ممّا لا يدركه إِلَّا مثله، ولا يتفطّن له أحد قبله ولا بعده، وهو إمام الأُمَّة غير مدافع في ذلك، وكيف لابن الجويني أنّ يزوِّده في تأويل إنَّ سلم في نقل؟ هيهات يا أبا المعالي، لست هذا الموضع ترقى إليه، ولا تغالي في قَدْرِكَ، وافهم أمرك، والله ينفعك برحمته، على هذا فلتعوَّلوا يا معشر المتفقِّهة والفقهاء" انتهى من العارضة، ونعتذر عن بعض الأخطاء، فالطبعة من أسفٍ سقيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>