للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبا عبد الرّحمن النّسائيَّ؛ فإنّه جمَعَ أحاديثَها باختلافها وطُرُقِها في جزءٍ كبير، وجملةُ الأمر أنّ علماءَنا قالوا: لا يجوزُ كِرَاءُ الأرضِ بطعامٍ وإن كان ممّا لا تُنبِتُه الأرضُ (١).

وقال الشّافعيّ (٢): يجوزُ بِحِنطَةٍ معلومة في الذِّمَّةِ.

وقال أبو حنيفة (٣): يجوزُ بكلِّ ما كان ثَمَنًا في المَبِيع.

وقال اللَّيثُ: يجوزُ بجزءٍ معلومٍ ممّا يَخرُجُ منها.

وقال غيرُه: يجوز بجزءٍ معلومٍ أو مجهولٍ، مثل أنّ يقول: لي ما تُنبِتُه هذه البُقعَة منها. ويعيِّنُها.

وقيل: لا يجوزُ كراؤُها بحالٍ.

وفي متعلّق كلّ واحد منهم حديثٌ وأثرٌ، فأما قولُ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَت لَهُ أَرضٌ فليَزرَعها أَوْ يَمنَحهَا أَخَاهُ" (٤) وهو الصّحيح، فيعارضُه مِثلُه في الصِّحَّة، وهو أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال لرَافِع: "مَا تَصنَعُونَ بِأَرضِكُم"؟ قالَ: نُكرِيها بِالرُّبُعِ وبِالأَوسُقِ مِن التَّمرِ، فَقَالَ عَلَيهِ السلَام: "لَا تَفعَلُوا، ازْرَعُوهَا أَؤ أَزْرِعُوهَا" (٥).

وأمّا قول علمائنا: إنّها لا تجوزُ بشيءٍ من الطعامِ، فهو ذريعةٌ أنّها لا تجوزُ بشيءٍ ممّا يخرُجُ منها، وإن كان ممّا لا تُنبتُ الأرض فلوجهين:


= وقال بعضهم: يروى عن رافِع عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. وبعضهم: عن رافع عن أبيه عن النّبيّ -عليه السّلام-. وبعضُهم يقول: عن عمِّه، فاعتلّ بعضُهم بهذا فأراد أنّ يضعِّفَ بذلك الحديث، وليس له في ذلك حجّة؛ لأنّه قد يسمعُ بعضُ من روى عنه طائفة من الحديث، ويسمع بعضُهم طائفة أخرى، فيؤدِّي إليه كلّ واحدٍ ما سمعَ ويسمعُ هو شيئًا آخر فيحكي ذلك على ما بلغه، ويكون ذلك في مجلس ومجالس، وتكون كلّ لفظةٍ انفرد بها أحدهم حديثًا منفردًا، وأتمّ ما فيه وأصحّ إسناد رواية الأوزاعي واللّيث".
(١) انظر المدوّنة: ٣/ ٤٦٨ في اكتراء الأرض بالطعام والعلّف، والمعونة: ٢/ ١١٣٩.
(٢) في الأم: ٨/ ٣٠ (ط. قتيبة)، وانظر الحاوي الكبير: ٧/ ٤٥٤.
(٣) انظر مختصر الطحاوي: ١٣٢، ومختصر اختلاف العلماء: ٤/ ١٢٠.
(٤) أخرجه البخاريّ (٢٣٤١)، ومسلم (١٥٤٤) من حديث أبي هريرة.
(٥) أخرجه مع اختلاف في الألفاظ البخاريّ (٢٣٣٩)، ومسلم (١٥٤٨) من حديث رافع بن خَدِيج.

<<  <  ج: ص:  >  >>