للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإبراهيمُ -عليه السّلام- قال: "إنِّي كَذَبتُ ثَلاثِ كَذَبَاتٍ، وكلُّ كَذبَةٍ منها تَصلُحُ أنّ يكونَ لنا دَرَجًا إلى الجَنَّةِ" قال النّبيّ: "إنّما قالها لأنّه مَا حَلَ (١) بها عن دِينِ الله" (٢)، وهذا يدلُّك على جَهَالَةِ المفسِّرين للقرآن الذين قالوا في قوله: {هَذَا رَبِّي} (٣) إنّه غَلِطَ في الكوكبِ في قوله: {هَذَا رَبِّي} فظنّه أنّه الله.

وكذلك موسى صلّى الله عليه قتلَ بالغَضب في الله نفسًا لم يُؤمَر بقتلها، فإنّما كان الوَهمُ في عَدَمِ انتظارِ الأمر خاصّةً وقَتلِهِ بالنّظرِ.

ومِثلُه أنّ يوسف -عليه السّلام-* همَّ بها، فكان فعلَ قَلبٍ لا فعلَ جارحةٍ، فالبارىءُ يُخبِر أنّ يوسفَ* فَعَلَ بقَلبِهِ، والنّاسُ كلَّهم يقولون: إنّما فعل بَجَوارِحِه، والهمُّ غير مُؤَاخَذٍ به.

وأمّا داودُ -عليه السّلام-، فقد دَادَ فيه دِينُ الخَلق، وانبثَّت أقوالهم حتّى ملأت الخَلقَ دَفَرًا، والله جلَّ ثناؤه إنّما أخبر عنه بكلمةٍ واحدةٍ وهي قوله: {أَكْفِلْنِيهَا} الآية،* فقال: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} (٤) وليس في قول الرَّجل: "طلق أهلَكَ لي" معصيةٌ، لكنه يُعَدُّ من المروءة والصَّلَةِ أنّ يقولَ الرَّجلُ لصاحبه: هذه زوجتي أطلّقها لك فَخُذهَا وتزوَّجها، وقد فعل ذلك أصحاب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (٥).


(١) أي جادلَ ودافع.
(٢) أخرجه مع اختلاف في الألفاظ الطيالسي (٤١١)، والحميدي (٤٤٨)، وأحمد: ٥/ ٣٨٧، والترمذي (٣١٤٨) وقال: "هذا حديث حسن" , وأبو يعلى (١٠٤٠)، وابن حبّان (٤٥)، والحاكم: ٢/ ٣٥٩.
(٣) الأنعام: ٧٦.
(٤) صورة ص: ٢٣ وانظر أحكام القرآن: ١٦٣٣ - ١٦٣٧.
(٥) انظر البخاريّ (٢٠٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>