للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجهاد.

وقال ابنُ القاسم: لا يقبل ويطلب تزكيته.

وقال سُحنون أيضًا: لا يزكِّّّّّّّّّّّّّّيه بذلك.

فإذا ثَبت هذا (١)، وما ذكرناهُ من معرفة المزكِّي، ففي "العُتبِيَّة" (٢) عن سحنون ما معناه: أنّه لا يؤثِّر في ذلك أنّ يقارف بعض الذَّنْبِ كالخفيف من الزّلّة والفلتة، فمِثلُه لا يمنع من عدالته.

وقال مالك: من النَّاس من لا تُذْكر عيوبُهُم يكونُ عيبُه خفيفًا.

اطِّلاع في النظر (٣):

فإذا انتهَى الحالُ إلى هذا المقام، فالعدالةُ والسَّلامةُ من العيوبِ، وكمالُ الشّهادة، إنَّما هي للأنبياءِ عليهم السّلام. والضابطُ لهذا البابِ نُكتةٌ ينتفعُ بها من لا يَعِيها، وذلك أنّ الله نَوَّرَ العبدَ بالعقلِ، وهو نُور الطّاعة، وأَظلَمَهُ بالشَّهوَةِ وهي حَبَالَةُ المعصيةِ، فصار العبدُ متردِّدًا بينَهما، والمَلَكُ يعْضُد جانبَ العقلِ، والشيطانُ يُغوِي في جانِبِ الشَّهوةِ، والتوفيقُ والخذلانُ على قِمَّةِ الرأسِ مُحَلِّقانِ، والقضاءُ والقَدَرُ فوق ذلك كلِّه، فإن سبَقَ القضاءُ بالتَّوفيقِ، انتصرَ حزبُ الله، وإن سبقَ القضاءُ بالخِذلانِ، نَفَذَ حُكمُ الله؛ ولذلك قال النّبيُّ -عليه السّلام-: " إِن اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظهُ مِنَ الزنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ " الحديث إلى آخره (٤)، فلم تَكُنِ العصمةُ إِلَّا للأنبياءِ كما سَبَقَ، وسائرُ الخَلقِ وإن آمنوا وطهَّر اللهُ قلوبَهم بالتّوحيد عَنْ وَضَرِ الشِّركِ، فلابد أنّ تتدنَّس أبدانُهم بأرحاضِ المعاصي، فلو لم يُقبَل إِلَّا مطيعٌ، ما وُجِدَ أحدٌ يَسلَم في حالٍ من الأحوالِ، ولكن بَنَتِ الشريعةُ الأمرَ على


(١) وهو أنّ التزكية تفتقر إلى أنّ يعرف المزكيّ حال الشّاهد.
(٢) ١٠/ ١١٩ في سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب.
(٣) انظره في القبس: ٣/ ٨٨٦.
(٤) أخرجه البخاريّ (٦٢٤٣)، ومسلم (٢٦٥٧) من حديث ابن عبّاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>