للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قومٌ: إنّما تكون أُمُّ وَلَدٍ بخلقَةِ الآدميّ.

وقال مالك في أثناء كلامه وعند سرد قوله: وما يَرَى النِّساءُ أنّه وَلَدٌ.

والأصل في ذلك: قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} الآية (١).

وفي الحديث الصّحيح عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- أنّه قال: "يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُم في بَطْنِ أُمِّهِ أَربَعينَ يَومًا نُطفَةً، وَأَربَعِينَ عَلَقَةَ، وَأَربَعِينَ مُضغَة، فإِذا أَرادَ اللهُ خَلقها كان" (٢) وذكر الحديث. فلم يجعل للخلقِ رُتبة إلّا بعد كونه مُضغَةً، ولا يكون ولدًا إلّا بعد كونه خَلقًا، ولا تكون هي أمِّ وَلَدٍ حتّى يكونَ الولَدُ، فهذا هو الأسلوبُ المَهْيَعُ.

وإذا أسقطتِ المرأةُ دَمًا مجتمعًا منعقدًا متماسكًا أو متناثرًا، فإنّه يحتمِلُ أنّ يكون تركيبَ خِلقَة، ويحتمِلُ أنّ يكون عقدةً تجمّعت من خِلطٍ، ولا يقضي أحدٌ فيها على يقينٍ ثابتٍ بمشكوكٍ فيه في إبطال حقٍّ ولا إثباته.

فإذا ثبت أنّها تكون أمَّ ولَدٍ، فأجمعتِ الأُمَّةُ على أنّ بيعَها لا يجوزُ من لَدُنِ عليّ ابن أبي طالبٍ إلى زمان دَاوُدَ الأصبهانيِّ.

قال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - على المِنبَرِ: كنتُ أرَى رَأي أبي بكر وعمرَ في أنّ أمِّ الولَدِ لا تُباعُ، ثمّ ظهَرَ لي أنّ بيعَها جائزٌ. فقال له عَبِيدَةُ السَّلمانيُّ: رَأيُكَ والله يا أميرَ المؤمنينَ مع رأي أبي بكر وعمرَ أحبُّ إلينا من رأيِكَ وحدَكَ (٣).

ثمّ ثبتَ أنّ عليًا رَجَع عن ذلك (٤)، واستقرَّ الأمرُ بين المسلمين عليه إلى الوقت الّذي ذكرنا.


(١) الحجِّ: ٥. وتتمّةُ الكلام كما في القبس: "إلى قوله: {مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} فلم يجعل لها خلقًا إلّا بعد المضغة".
(٢) أخرجه -مع اختلاف في الألفاظ- البخاريُّ (٢٣٠٨)، وسلم (٢٦٤٣) من حديث عبد الله بن مسعود.
(٣) أخرجه عبد الرَّزاق (١٣٢٢٤) وصحّحه ابن حجر في تلخيص الحبير: ٤/ ٢١٩.
(٤) أخرجه عبد الرَّزاق (١٣٢٣١) والبخاري (٣٧٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>