للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت الحنفية في كُتُبِها: يجوز للذِّمِّيِّ إحياء الموات.

وقال الشّافعيُّ ومالك: لا يجوزُ.

ونصر كلا الطّائفتين ما ادّعاه وأبطل ما عداه، والمسألة غير مُتَصَوَّرة على مذهب أبي حنيفة؛ لأنّ أبا حنيفة يقول: إنَّ إحياء الأرض كيف ماكانت وأين ما كانت لا يجوز إلّا بإذن الإمام، وإذا أذن الإمام للذِّمِّيّ في إحياء الموات نفّذه؛ لأنّه حكمٌ مُختَلَفٌ فيه، ولا يبقى للمسألة صورة، على أنّ بعض علمائنا قال: يجوز للذِّمِّيِّ إحياء المَوَات إلّا في جزيرة العرب مَكَّة والمدينة؛ لأنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- قال: "من أَحيَا أَرْضًا" الحديث، وهذا عامٌّ. وقال -عليه السّلام-: "أَخرِجُوا اليَهُودَ والنَّصارى من جَزِيرَةِ العَرَبِ" (١) وهذا خاصٌّ، فَقَضَى الخاصُّ على العامِّ باتّفاقٍ من الأُمّةِ، نصَّ عليه ابن القاسم وغيره.

ويصح أنّ يكون للذِّمِّيِّ في إحياء المَوَاتِ حقٌّ لثلاثةِ أوجُهٍ:

أحدها: أنّ أبا حنيفة يقول: إنَّ الكفّار لا يخاطَبُون بفروع الشّريعة، فليس لهم دخول في الأمر والنّهي، من باب نفي التكليف بالأحكام، وهذا ما لا جواب لهم عليه.

الثّاني: في قول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَعْمَرَ أَرضًا مَيَّتَةَ لَيسَت لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِها" (٢) وهذه الأرض للمسلمين، لقول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم-: "مَوَتَانُ الأَرْضِ لله وَلرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُم مِنِّي أَيُّهَا المُسلِمُونَ" (٣).

الثّالث: أنّ الذِّمِّيّ ليس من أهل الأرض، إنّما هو فيها مكتر بأجرةٍ معلومةٍ، فأيُّ حقٌّ له في الإشاعة حتّى يُعَيِّنه بالإحياء، وفي مسائل إحياء المَوَاتِ تفريعٌ عظيمٌ، فابْنوا على هذه الأصول الّتي أصّلناها لكم، والحمد لله.


(١) أخرجه البخاريّ (٣٠٥٣)، ومسلم (١٦٣٧) من حديث ابن عبّاس.
(٢) سبق تخريجه صفحة: ٣٩٤ من هذا الجزء.
(٣) سبق تخريجه صفحة: ٢٣٤، التعليق رقم: من هذا الجزء ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>