للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا صبّ الأقذار في الطُّرُقات، فلا يجوز على الإطلاق؛ لأنّ في ذلك إذاية المسلمين، وإماطةُ الأذَى عن الطريق صَدَقَةٌ، وقد بيّنّا ذلك في موضعه من "المسائل" و"شرح الحديث"، إِلَّا إذا كانت ضرورة عامّة، كخمر يَتَعَيَّن كسرها حتّى تجري في السكك، كما ورد في الحديث (١).

المسألة الرّابعة (٢):

ومن القول في المرافق مسألة السّفينة إذا غلب الهَولُ عليها، فاحتاجوا إلى التّخفيف عنها، فاتّفقت الأُمَّةُ على وجوب التّخفيف والانتفاع بما يُطرَح فيما بَقِيَ، واختلفوا بعد ذلك في تفاصيل (٣)، منها: دخولُ السّفينة وآلاتها في الحِصَاصِ ورجالات المراكب والعبيد الرّاكبين عليها. وانتهى النظر إلى نازلةٍ عظيمةٍ، وهي: إذا عَلِم الأحرارُ من أهل السّفينة؛ أنّ بقاء جميعهم مُهلِك، وأن خلوصَ بعضهم مُتَيَقِّنٌ، فَنَسَبَ الخُرَاسَانيّون الحَنَفِيُّون والشّافعيّون إلى مالك: أنّ هلاكَ بعض الأُمَّة في الاستصلاحِ واجبٌ، ونراه بريءٌ من ذلك، وإنّما سمعوا من قوله اعتبار المصلحة فاعتبروها بزعمهم حتّى بَلَغُوا بها إلى هذا الحدّ. وكان من حقهم لجلالة أقدارهم في العلم وَسَعَةِ حفظهم ودِقَّةِ فهمهم أنّ يتفطّنوا لمقصدِه بالمصلحة، وأن يجروها مجراها وأن ينتهوا بها حيث انتهت. وليس بين الأُمَّةِ خلاف في هذه المسألة أنّهم يَصبِرُون لقضاء الله حتّى ينفد حكمه فيهم. ويترتّب على هذا مسائل مشكلة بيانُها في "كتب المسائل" و "الأصول" فعليكم بها، والله المُوفق للصواب.


(١) أخرجه البخاريّ (٢٤٦٤)، ومسلم (١٩٨٠) من حديث أنس.
(٢) انظرها في القبس: ٣/ ٩٣٢.
(٣) للتوسع في هذا الموضوع انظر كتابُ أكرية السُّفُن والنزاع ببن أهلها لمحمد بن عمر الأندلسي (ت: ٣١٠)، والمنشور في مجلة الكراسات التونسية المجلد ٣١، عدد: ١٢٣ - ١٢٤، سنة ١٩٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>