الّذي لم نَتَعرَّض له ههنا؛ لأنّه بابٌ عظيمٌ في الفروع، أَمَّا إنّه عرضت في الكتابة
مسألة مُعضِلَةٌ وهي الكتابة الحالة، وقد اختلف فيها الفقهاء قديمًا وحديثًا، وبيانُهما في "كتب الخلاف والمسائل" على الاستيفاء.
ومن غريب اضطراب العلماء فيها؛ أنّ الشّافعيَّ (١) يقول: إنَّ السَّلَم الحالّ جائزٌ، والكتابة الحالّة لا تجوز. واختلف فيها جواب علماء المالكيّة، والذي عندي أنَّ تصويرَها يكشف حقيقتها، ولها ثلاث صُوَرٍ:
الصّورة الأولى: أنّ يقول لعبده: كاتَبتُك على تسعِ أَوَاقٍ في تسعة أعوام، وهذا بَيِّنٌ إِنِ التَزَمَهُ العبدُ.
الصّورة الثّانية: أنّ يقول لعبده: إنْ أعطيتني كذا دنانير فأنت حُرٌّ والمال حاضر، فيقتطعه السَّيِّد من يَدِهِ، ويقضي بحرِّيَّتِه؛ لأنّ له انتزاع ماله وإبقاءه في الرِّقّ، فكيف غير ذلك ممّا له فيه حظٌّ؟.
الصّورة الثّالثة: أنّ يقول له: ألزمتك مدّة دينار تُعطينيها وأنت حرٌّ، والعبدُ ليس عنده شيءٌ.
فقال الشّافعيّ: هذا كلامٌ لَغوٌ.
وقال علماؤنا: يرتفعان إلى الحاكم ينظر في ذلك، فإن أراد العبدُ الالتزام أَلزَمَهُ الحاكمُ، ونُجِّمَ المالُ على قَدرِ حالِ العبدِ وحال المال.
ونَظَرُنا أقوَى من نَظَرِ الشّافعيّ؛ لأنّ السَّيِّد لمّا تكلَّم به أَوجَبَ حقًّا للعبد في الاِلتزام وسعيًا في الحرِّيَّة، فلم يجزْ له الرّجوع فيه؛ لأنّ هذا الحق لا يقبلُ الرّجوع ولا الإسقاط كسائر الحقوق المتعلِّقة بالعِتقِ.
ومن مسائله المُعْضِلَةِ العظيمةِ الّتي اختلف فيها الفقهاء والصّحابة: إذا مات المُكاتَبُ وترك وفاءً بالكتابة وترك وَرَثَةً.