للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: إذا اعْتَرَضَ اللّفظُ على القاعدةِ، وخالَفَ معنًى من آخِرِ الكلام أوَّلَهُ سَقَطَ، فكيفَ إذا خالَفَهُ كلِّه؟ وبيانُه: أنّ الله تعالى قال: {وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} الآية (١)، المعنى: أنّ القاتلَ إذا عَلِمَ أنّه يُقتَلُ، كفَّ عن ذلك، وحُقِنَتِ الدِّماءُ في أُهُبِهَا. فلو لم تُقتَلِ الجماعةُ بالواحدِ، لاستعانَ الأعداءُ على الأعداءِ، وقتلوا من أحَبُّوا حتّى يبلُغُوا أمَلَهُم فيه، ويَسقُطَ القَوَدُ عنهم بالاشتراكِ *في قَتلِهِ، وقد وَفَّى مالكٌ هذا النَّظَرَ، وأعطاهُ قِسْطَهُ من الكمال، فقال (٢): إنّه يُقْتَلُ المُمْسِكُ على القَاتِل مع القاتلِ.

وقال أبو حنيفةَ (٣) والشّافعيُّ (٤): لا قَوَدَ على المُمسِكِ* لقول النّبيِّ صلّى الله عليه وسلم: "اقتُلُوا القاتِلَ، واصْبِرُوا الصَّابِرَ" (٥) ولأنّه لم يَقتُل، فكيف يُقتَلُ؟!

قلنا: أمَّا الحديثُ فلا يُساوي سَمَاعَهُ، وأمَّا المعنى فهو ضدّ ما قالوا. المُمْسِكُ هو القاتلُ حقيقةً، أو كلاهُما قاتلٌ، والدَّليلُ عليه: إجماعُنا على أنّه لو أمْسَكَه على سَبُعٍ فأكَلَهُ، لَزِمَهُ القَوَدُ.

فإن قيل: إنَّ فِعْلَ السَّبُع جُبَارٌ.

قلنا: وفِعْلُهُ هو مُعْتَبَرٌ، ألَّا ترى أنّهما يشتَرِكانِ في الدِّيَةِ وهو البَدَلُ الجابرُ؟ كذلك يجبُ أنّ يشترِكا في القِصَاصِ وهو العِوَض الزّاجرُ.


(١) البقرة: ١٧٩.
(٢) في الموطَّأ بنحوه (٢٥٦١) رواية يحيى.
(٣) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٥/ ١٢١، والمبسوط: ٢٦/ ١٢٠.
(٤) انظر الحاوي الكبير: ١٢/ ٢٧.
(٥) أخرجه بهذا اللّفظ البيهقي: ٨/ ٥٠ عن إسماعيل بن أمية مرسلًا، ورواه بلفظ متقارب عبد الرزّاق (١٧٨٩٢)، والدارقطني: ٣/ ١٤٠. وانظر تلخيص الحبير: ٤/ ١٥ حيث أشار إلى تصحيح ابن القطان، ولم نجده في بيان الوهم والإيهام.

<<  <  ج: ص:  >  >>