للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنّه قال: إنَّ السُّفْلَى أحمل للطَّعام واللُّعابِ، فإنّ في العلّيا من الجمال أكثر من ذلك، وقد تتباين يسرى اليَدَيْن ويُمْناهما في المنافع وتتساويان في الدِّية. وبهذا قَضَى عمر ابن عبد العزيز، وقاله كثيرٌ من التابعين.

وقال ابنُ حبيب (١): إنَّ في العلّيا ثُلُثَي الدِّيَة، وهو قولٌ شاذٌّ (٢).

وقد رَامَ بعضهم أنّ يُفاضِلَ بينَ آحادِ كلِّ اثنينِ من الجَسَد (٣)، وقد قال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "في كُل أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ" (٤) ولم يُفَصِّل، وخرَّج البخاريُّ (٥) عن ابنِ عبّاس: "هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ" يعني الخِنْصَرَ والإبهامَ، إشارةً إلى منافِعِها وإن اختلفت فإنَّما تراعَى صُوَرُها.

كما رامَ أبو حنيفةَ (٦) أنّ يَنْقُضَ الحُكمَ ويَنْفُضَهُ فقال: من قَطَعَ لسانَ صبيٍّ صغيرٍ لا دِيَة عليه، إنّما فيه حكومةٌ؛ لأنّه لسانٌ بلا منفعةٍ.

قلنا: لا يُشبِهُ هذا تدقيقَكَ، فإنّه يَلْزَمُكَ أنّ تقولَ: إذا قتل نفسًا صغيرةً لا دِيةَ عليه فيها؛ لأنّها نفسٌ بلا منفعةٍ، كما فعلَ مالكٌ (٧) في السِّنِّ السوداء (٨)، واعجَبًا لأبي حنيفةَ (٩) يُساعدُه على ذلك.

وقال الشّافعيّ (١٠): فيها حكومةٌ؛ لأنّها تَغييرُ هيئةٍ كما لو اصْفَرَّت، وهذا ضعيفٌ؛ فإن الصُّفْرَةَ صِفَةٌ في ظاهرها، والسَّوادَ متداخل فيها، مُفْسِدٌ لها، فافترقا.


(١) في تفسير غريب الموطَّأ: الورقة ٩٨، وعنه البوني في تفسير الموطَّأ: ١٢٠/ أ.
(٢) عبارة عبد الملك بن حبيب هي: "كان مالك يقول: هذا قولٌ شاذٌّ، ليس عليه جماعة العلماء، والسُّفْلَى والعُلْيَا في ديتهما سواء، في كلِّ واحدة نصف الدِّية".
(٣) تتمّة الكلام كما في القبس: "كابن المسيّب في الأسنان وفي الشفة السفلى".
(٤) سبق تخريجه.
(٥) في صحيحه (٦٨٩٥).
(٦) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٥/ ١٢٥، ومختصر الطحاوي: ٢٤٤.
(٧) تتمّة الكلام كما في القبس: "مالك في الاحتياط بالعكس من أبي حنيفة في الاسترسال فقال ... ".
(٨) انظر الموطَّأ (٢٥١٢) رواية يحيى.
(٩) انظر كتاب الأصل: ٤/ ٤٥٤، ومختصر الطحاوي: ٢٤٤.
(١٠) انظر الأم: ١٢/ ٤٦٦ (ط. قتيبة)، ومختصر خلافيات البيهقي: ٤/ ٣٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>