للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّا أحدُهما، فلا عُذرَ للشّافعيِّ في إسقاط الحدِّ في التّعريضِ؛ لأنّه عربيٌّ فصيحٌ لم يَخْفَ عليه ما في الكناية من الإفهام، فإنّها أبلغُ من صريحِ الكلامِ.

وأمّا أبو حنيفةَ (١)، فهو أعجمِيٌّ، فلا يُستَنكَرُ عليه الجهلُ بهذه المسألة، فأراد أنّ يتفصَّحَ ويتفقَّهَ ليُثبِتَ دعواهُ في العربيّةِ، فقال: لو قال رجلٌ لامرأةٍ، زَنَأْتِ في الجَبَلِ، وجبَ عليه الحدُّ، والزُّنُوءُ هو الرُّقِيُّ، فخاف أبو حنيفةَ أنّ يريدَة زنيتِ، فيأتي بالهمز ليُخْفِيَ السَّبِّ، وهذا رجوعٌ إلى مذهب مالك في إيجاب الحدِّ بالتّعريضِ.

وفروعُ القذفِ والتّعريضِ كثيرةٌ، أطنبَ فيها أهلُ كتب المسائل وأصولها، ولُبابُها ثلاثون، ومسائل القَذفِ كثيرةٌ:

المسألة الأولى (٢):

اختلفَ العلّماءُ في حدِّ القذفِ، فمنهم من قال: هو حقٌّ لله تعالى، قاله أبو حنيفة (٣).

وقالت طائفةٌ: هو حقٌّ للآدميِّ.

*وعن مالك الروايتان، والمشهورُ أنّه حقٌ للآدمىِّ* (٤). وقد بيَّنَّا في "صريح الخلاف" و"تلخيصه" أنّ فيه شائبةَ حقِّ لله، وشائبةَ حقٍّ للَآدميِّ، إِلَّا أنّ المُغَلَّبَ شائبةُ حقِّ الآدَمِيِّ، والمعوَّلُ لمن قال: إنّه حقُّ الآدَمي، وقوفُ استيفائه على مُطَالبةِ الآدَمِيِّ. وليس للقومِ مُتَعَلَّقٌ، إِلَّا أنّهم قالوا: لو كان حقا للآدَميِّ لَمَا تَشَطَّرَ بالرِّقِّ والحريةِ.

قلنا: قد يتشطَّرُ حقُّ الآدميِّ بالرِّقِّ والحريّة كالنِّكاح والطلاق.


(١) انظر مختصر الطحاوي: ٢٦٨، ومختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣١٨، والمبسوط: ٩/ ١٢٦.
(٢) انظرها في القبس: ٣/ ١٠١٩.
(٣) انظر المبسوط: ٩/ ٣٦.
(٤) وهو الّذي اختار القاضي عبد الوهّاب في المعونة: ٣/ ١٤١٠ - ١٤١١، وانظر المدوّنة: ٣/ ٣٨٨ فيمن عما عن قاذفه ثمّ أراد أنّ يقوم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>