للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (١) يعني: أهل القرية، فكذلك قولُه في أُحُدٌ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ" المعنى: يحبُّنا أهلُه يعني الأنصار الساكنين قُربَهُ وكانوا يحبُّون رسولَ الله وُيحبُّهم (٢)؛ لأنّهم آوَوهُ ونصروه وأعانوا على إقامة دِينِهِ.

وقد قيل في المجاز وجهٌ آخر، وذلك أنّه كان -عليه السّلام- يفرحُ باُحُدٍ إذا طلعَ له استبشارًا بالمدينة ومَنْ فيها من أهله وذُرِّيَّتِه، ويحبّ النّظر إليهم ويبتهجُ للأَوبَةِ من سَفَرِه، والتزول على أهله وأَحِبَّتِهِ (٣).

وقوله: "يُحِبُّنَا" أي: لو كان ممَّن تصحُّ منه المحبَّة لأحبنا كما نحبُّه.

وقد قيل (٤): إنَّ محبَّته حقيقة، كما يسبِّحُ كلُّ شيءٍ حقيقة، ولكن لا يفهم ذلك النَّاسُ، وغيرُ نَكيرٍ أنّ يصنع الله محبّةَ رسوله في الجماد وفيما لا يَعقِلُ عقل الآدميين، كما وضع -عَزَّ وَجَلَّ- خشيته في الحجارة، فأخبر أنّ منها ما يهبطُ من خشية الله، وكما وضع في الجِذْعِ محبته -عليه السّلام- حتّى حنَّ إليه حنينَ النّاقةِ إلى ولدها، رواه أنس (٥) وجابر (٦) وغيرهما (٧)، ومثلُ هذا كثيرٌ.

حديث مالك (٨)، عَنْ ابنِ شِهَابٍ، عَنْ ابنِ المُسَيبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ


(١) يوسف: ٨٢.
(٢) وإلى مل هذا التّأويل ذهب الخطّابي في أعلام الحديث: ٢/ ١٣٩٠.
(٣) انظر الاقتضاب في شرح غريب الموطَّأ: ٩٩/ ب- ١٠٠/ أ.
(٤) انظر هذا القول في إكمال المعلم: ٤/ ٤٨٥ - ٤٨٦.
(٥) أخرجه الدارمي (٤٢)، والترمذي (٣٦٢٧) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وابن خزيمة (١٧٧٧)، والبيهقي في دلائل النبوة: ٢/ ٥٥٨.
(٦) رواه أحمد: ٣/ ٢٩٣، والدارمي (٣٥)، وأبو يعلى (٢١٧٧).
(٧) مثل ما رواه الدارمي (٣٧) عن أبي سعيد، ورواه أيضًا أبو يعلى (١٠٦٧).
(٨) في الموطَّأ (٢٦٠٠) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٨٥٥)، وابن القاسم (١٦)، والقعني عند الجوهري (١٣٨)، وابن مهدي عند أحمد: ٢/ ٢٣٦، والتنيسي عند البخاريّ (١٨٧٣)، ويحيى بن يحيى النيسابوري عند مسلم (١٣٧٢)، وتتيبة بن معيد، ومَعْن عند التّرمذيّ =

<<  <  ج: ص:  >  >>