للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثّانية (١):

أجمع الفقهاءُ من أيمّة الفتوى بالأمصار وأتباعِهِم أنّ لا جزاءَ في صيد المدينة (٢)، وشذّت فرقةٌ، فقالت: فيه الجزاء؛ لأنّه حرمُ نَبِيٍّ قياسًا على مكّة؛ لأنّها حَرَمُ إبراهيم.

واتَّفق مالكٌ والشّافعيُّ (٣) وأصحابُهُما وابنُ حنبل (٤) وجمهورُ العلماء أنّ الصَّيد في حَرَم المدينة لا يجوز، وعلى ذلك كان أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - (٥).

وشذّ أبو حنيفة وأصحابه فقالوا: صيدُ المدينةِ غير محرَّمٍ، وكذلك قطع شجرها (٦)، واحتجّ الطّحاوي لهم (٧) بحديث أنسٍ، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - دخل حارتَهُم، فقال: "أبا عمير ما فعل النُّغَير" (٨)، وأبو عُمَير كان أخًا صغيرًا لأنسٍ، وكان له نُغَير يلعبُ به (٩)، وهذا لا حُجَّةَ فيه؛ لأنّه يمكن أنّ يكون النُّغَير في حرم المدبنة أو في غيره (١٠).

حديث مالك (١١)، عن رَجُلٍ (١٢)، قال: دَخَلَ عَلَيَّ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ وَأَنَا بِالأَسوَافِ قَدِ


(١) هذه المسألة مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ٣٩، ٤٢ - ٤٣.
(٢) انظر؛ حلية العلماء للشاشي: ١/ ٤٣٦ (ط. الباز)؛ والمقنع، والشرح الكبير، والإنصاف: ٩/ ٦٥.
(٣) انظر: التّلخيص للطّبريّ: ٢٧٥، والحاوي: ٤/ ٣١٥، والوسيط: ٢/ ٧٠٢.
(٤) وهو الّذي نصِّ عليه في رواية الجماعة، وعليه الأصحاب كما قال المرداوي في الإنصاف: ٩/ ٦١، وانظر المقنع والشرح الكبير.
(٥) يقول ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٦/ ٤٢ "هؤلاء أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قد فهموا معنى تحريم رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - للمدينة، واستعملوا ذلك وأمروا به، فأين المذهب عنهم؟ بل الرُّشدُ كلُّه في اتّباعهم، واتّباع السُّنَّة الّتي نقلوها وفهموها وعملوا بها".
(٦) ذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار:٤/ ١٩٦ أنّ هذا هو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وانظر مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ١٩١.
(٧) في كتابه شرح معاني الآثار: ٤/ ١٩٤.
(٨) أخرجه البخاريّ (٦١٩٩، ٦٢٠٣)، ومسلم (٢١٥٠).
(٩) قال أبو جعفر الطحاوي في وجه الاستدلال بهذا الحديث: "فهذا قد كان بالمدينة، ولو كان حكم صيدها بحكم صيد مكّة، إذا، لما أطلق له رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - حبس النغير، ولا اللعب به، كما لا يطلق ذلك كله بمكة" شرح معاني الآثار" ٤/ ١٩٥.
(١٠) في الاستذكار: "أنّ يكون النغر صيد في غير حرم المدينة".
(١١) في الموطَّأ (٢٦٠٢) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٨٥٧).
(١٢) يقول ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٦/ ٤٠ - ٤١ "والرّجلُ الّذي لم يُسمِّه مالك في حديث زَيْد =

<<  <  ج: ص:  >  >>