للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترى إلى قولها (١): "كُنَّ نساءُ المؤمناتِ يَشهَدْنَ الصَّلاةَ ... الحديث" (٢)، وهو إخبار على أنَّه كان يُدَاوِمُ على ذلك، وأنه أكثر فعله، ولا تحصل المداومة إلَّا على الأفضل.

وزعم الطّحاويّ (٣) أنّ آثار هذا الباب إنَّما تتّفقُ بأن يكون دخوله -عليه السلام- في صلاة الصُّبح مُغَلِّسًا، ثم يطيلُ القراءةَ حتّى ينصرف عنها مُسْفِرًا.

قال الإمام الحافظُ - رضي الله عنه (٤) -: وهذا فاسد من قوله، لمخالفته قول عائشة؛ لأنها حكَتْ أَنَّ انصرافهنَّ من الصّلاة كان ولا يعرفن من الْغَلَس.

قال أحمدُ بنُ حنبلٍ: الإسفار الّذي أراد النبي - صلى الله عليه وسلم -: هو أنّ يتّضِحَ الفجرُ، فلا يشكّ فيه أنّه قد طلعَ (٥).

قال الإمام: والإسفارُ في اللُّغةِ هو الانكشافُ، يقال أَسْفَرَتِ المرأةُ عن وجهها إذا كَشَفَتْهُ، فكأنّه قال: أسفِرُوا بالفَجْرِ، أي بيّنوه ولا تُغَلِّسُوا بالصّلاة وأنتم تشكّون في طلوعه حِرصًا على طلب الأجر لفضل التَّغليس، فإنّ صلاتكم بعد تيقُّنِ طلوعه أعظم للأجر، وعلى هذا التّأويل لا تتضادّ الآثار.

وممّا يشهد لصحّة هذا التّأويل، حديثُ ابن مسعودة أنّه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أيِّ الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة لأوَّل وقتها" (٦).


(١) أي قول عائشة رضي الله عنها.
(٢) أخرجه البخاريّ (٥٧٨)، ومسلم (٦٤٥).
(٣) في شرح معاني الآثار: ١/ ١٧٩ بنحوه. وقد نقل المؤلِّف كلام الطحاويّ بواسطة ابن بطّال في شرح البخاري: ٢/ ٢٠١.
(٤) الكلام موصول لابن بطال، وفي آخر هذه الفقرة ينتهي النَّقل من شرح البخاري لابن بطال. وانظر الاستذكار: ١/ ٥٣ (ط. القاهرة).
(٥) أسنده ابن عبد البرّ في الاستذكار: ١/ ٥٣ (ط. القاهرة).
(٦) أخرجه الدارقطني: ١/ ٢٤٦، وابن خزيمة (٣٢٧)، وابن حبان (١٤٧٣)، والحاكم: ١/ ٣٠٠ (ط. عطا) وصححه، والبيهقي: ١/ ٤٣٤ كلهم من حديث ابن مسعود. وانظر تلخيص الحبير: ١/ ١٤٥، وتحفة المحتاج: ٢٢٤، وخلاصة البدر المنير: ١/ ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>