للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديث الثّالث: الحديث الصّحيح عن أبي هريرة؛ أنَّه قال: "لَا يَحِلُ لِمُؤمِنٍ أَنْ يُهجُرَ مُؤمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ فَلَقِيَهُ فَليُسَلِّم عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيهِ السَّلَامَ فَقَدِ اشتَرَكَا في الأَجرِ، وَإِنْ لم يَرُدّ عَلَيْهِ فَقَد بَاءَ بِالإِثْمِ. وَخَرَجَ (١) المُسلِمُ مِنَ الْهَجرِ" (٢).

الغريب:

الهجرُ: التّركُ من هجَر يهجُر هجرًا، علي بناء المصدر.

الأصول:

قال الإمام: في هذا الحديث سؤالات ثلاث:

الأوّل: هل الحديث نصٌّ في أنّ لا تحلّ الهجرة فوق ثلاث، أو دليل خطاب؟

والثّاني: هل هو عموم أو خصوص؟

والثّالث: ما وجه الحكمة في هجرة الرَّجل أخاه ثلاثًا؟ وما وجه تخصيصه بالثّلاث؟

السؤال الأوّل: فإن قيل: هل هو نصٌّ في أنّ لا تحلّ الهجرة فوق ثلاث أو دليل خطاب؟

الجواب أنّ يقال: هو نصّ في الطرفين في جواز الثّلاث، وفيما فوق الثّلاث، ومعنى ذلك: أنّ كلّ كلامٍ دار بين طَرَفَينِ، نَفْيٌ وإثباتٌ، سَلبٌ وإيجابٌ، فالأوَّلُ فيه ضدّ الثّاني، وهذا نفي ما فوق الثلاث، فيكون الأوّل ضدّ الثّاني، وضدّه جواز الثّلاث فدون ذلك، ويسمِّيه المنطقيون المقابلة. وكذلك تكون الغاية، كقول القائل: سرتُ حتّى طلعتِ الشّمسُ، فالأوَّل إثباتٌ، والنَّفي لما طلعت. وقالوا: كلُّ كلام تُكُلِّمَ به يدلُّ على شيئين: يدلُّ على واحدٍ دلالةً لفظيَّةً، وعلى الآخر دلالةَ اقتضاءٍ، كقولنا: هذا خاتَم، فإنّه يدلُّ


= بلفظ: "أولاهما بالله" وقال: "هذا حديث حسن" كما أخرجه أحمد: ٥/ ٢٥٤، ٢٦١، ٢٦٤، ٢٦٩، والطبراني في الكبير (٧٧٤٣، ٧٨١٤، ٧٨١٥، ٧٨٥٨) من طريق القاسم عن أبي أمامة.
(١) في التمهيد: "زاد أحمد: خرج" قلنا: وهي زيادةٌ: لشيخ أبي داود أحمد بن سعيد السَّرخسِي. انظر السنن (٤٨٧٦) وسنده صحيح كما في فتح الباري: ١٠/ ٤٩٧.
(٢) ورد مُسْنَدًا عند ابن عبد البرّ في التمهيد: ١٠/ ١٤٦، والحديث أخرجه البخاريّ في الأدب المفرد (٤١٤)، والبيهقي: ١٠/ ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>