للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي نَعْلٍ واحدٍ، أَو يَشتَمِل الصَّمَّاءَ (١)، أَوْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحدٍ".

أمّا الثّلاث فإنَّها مكروهة، وأمّا الرّابعة فإنّه حرام لوجوب سَتْر العورة.

المسألة الثّانية (٢):

قوله: "نَهَى" والنّكتة الّتي يعتمد عليها علماؤنا في الفرق بين المكروه والحرام، أنَّه إذا جاء النّهي مقرونا بالوعيد دلَّ على تحريمه لا مَحَالَةَ، وإذا جاء مُطلَقًا كان أدبًا، إِلَّا أنّ تقترن به قرينةٌ تدلُّ على أنَّه مصلحة في البدن أو في المال على الاختصاص بالمرء، فإنّه يكون مكروهًا على حاله، ولا يترقَّى إلى التّحريم.

فإن كان لمصلحة تعمُّ النَّاس صار حرامًا.

والدّليل على ذلك: أنّ للمرء أنّ يتحمّل الضّرر في نفسه إنَّ كان ذلك يسيرًا، وليس له أنّ يلحقه بغيره يسيرًا كان أو كثيرًا، وهذا بديعٌ.

المسألة الثّالثة (٣):

قوله (٤): "فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ".

اختلف في هذا علماؤنا، فمنهم (٥) من حَمَلَهُ على الحقيقة بأنّ الشّياطين يأكلون ويشربون، ولذلك جاء نهيُه - صلّى الله عليه وسلم - عن الاستنجاء بالرّوث والرمَّة، وقال: "إنَّ ذلك لَزادُ إخوانكم من الجنّ" (٦).


(١) يقول ابن حبيب في شرح غريب الموطَّأ: الورقة ١٤٦ "اشتمال الصّماء: هو أنّ يجمع الرّجل طرفي ثوبه إذا اشتمل به، فيلقيها على عاتقه الأيسر، فيصير جانبه الأيسر مكشوفًا ليس عليه من العِطَافِ شيءٍ، فينكشف فَرْجه، فتلك الصَّماء الّتي نهى عنها، وذلك إذا لم يكن تحتها ثوب غيره، لا قميص ولا سراويل ولا إزار يتّزر به؛ لأنّ العورة عند ذلك بادية حتّى يخالف بين طرفي ثوبه الّذي اشتمل به، فليلقي الطّرفين جميعًا، مخالفًا بينهما على عاتقيه جميعًا، فهذا فعل ذلك لم تكن صمّاء؛ لأنّ العورة حينئذ مستورة بالعطاف من كلتا جانبيه".
(٢) انظرها في القبس: ٣/ ١١١٠.
(٣) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٧/ ٢٣٣.
(٤) أي قول الرسول - صلّى الله عليه وسلم - في الموطَّأ (٢٦٧١) رواية يحيى.
(٥) من هؤلاء العلماء ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٦/ ٢٥٤، والتمهيد: ١١/ ١٤١.
(٦) أخرجه البخاريّ (٣٨٥٩)، ومسلم (٤٥٠) من حديث ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>