للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هديّته كأحد الخصمين للقاضي، وغير ذلك من المعاني.

الثّامنة (١):

وإنّما ساغ لرسول الله أنّ يحمل القوم إلى طعام أبي طلحة وإن كان لم يأذن له في ذلك، وقد دعاه أبو شعيب خامس خمسة لطعام فتبعهم رجلٌ، فقال النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: إنَّ هذا تبعنا، فإن شئتَ أذنتَ له وإن شئتَ تركتَهُ، فقال أبو شعيب: قد أذنتُ له (٢).

فقال بعض علمائنا: إنَّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فعل ذلك في قصّة أبي طلحة لَمَّا علم من أبي طلحة أنّه يَسُرُّهُ ذلك، وهذا وإن كان مُحتملًا فغيرُه أظهر منه؛ لأنّه إنَّ كان قد علم أنّ أبا طلحة أنّه يسرُّهُ أنّ يحمل له سبعين أو ثمانين رجلًا، فقد كان أبو شعيب من أهل الدِّين والفضل، وكان يعلم منه أنّه يسرُّه زيادة واحدٍ كما فعل، لكنه جرى في ذلك على ما سنَّهُ لأُمَّته بعده لما كانت حاله تشاركهم فيها.

وأمّا قصة أبي طلحة، فتحتمل وجهين:

أحدهما: أنّ البركة في الطّعام الّتي بها كفَى العدد الكثير لم تكن من قِبَلِ أبي طلحة وإنّما كانت من عند الله، وإنّما أجرَى الله على يَدَيْ رسوله البركة فكان أحقّ النَّاس بها، وما كان لأبي طلحة فيها إلّا أنّ يختصَّ بذلك بمنزله لما كان سببها، وهذه بركة خُصَّ بها، فعلم أنّ كلَّ مؤمنٍ يرغب فيها ويحرص عليها (٣)، فهذا وجه الجمع بينهما.

وقد قال مالك رحمه الله: لا ينبغي لأحدٍ إذا دُعِيَ إلى طعامٍ أنّ يحمل معه غيره؛ لأنّه لا يدري هل يسرّ به صاحب الطّعام أم لا، إلّا أنّ يأذن له صاحب الطّعام ويقول له:


(١) هذه الفائدةُ مقتبسة من المنتقي: ٧/ ٢٤٠.
(٢) أخرجه البخاريّ (٢٤٥٦) ومسلم (٢٠٣٦)
(٣) سها المؤلِّف أو الناسخ عن ذكر الوجه الثّاني، وهو كما في المنتقى: "ويحتمل أنّ تكون قصة أبي طلحة أنّ الأقراص الّتي دعا إليها رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - المؤمنين قد كانت أُهْدِيَت له وملكها بالقَبُول، فإنّما دعا - صلّى الله عليه وسلم - أصحابه إلى طعام قد ملكه لا يحتاج فيه إلى إذن أبي طلحة ولا غيره".

<<  <  ج: ص:  >  >>