للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما في يد الله أوثق (١).

الطّائفة الرّابعة: قالوا: الزُّهْدُ هو البغضُ للدّنيا، وذلك أنّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- ذَمَّ حبّ الدّنيا، فقال: {تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} (٢) والبُغْضُ هو ضدّ الحبّ فسُمِّيَ الزّهد به، وذلك إذا بغضها لاحتقاره لها وصِغَر شأنّها عنده، أو قد يُبغِض الرّجل الدّنيا لضرّ نزل به فيها وخَطَرُها عنده عظيمٌ. فليس الزّهدُ في الدّنيا ضدّ الحبّ لها على الإطلاق، وإنّما هو ضدّ الرغبة؛ لأنّ الرّاغب فيها إنّما يرغب فيها لِعِظَمِ شأنّها عنده، والبغض فيها المندوب إليه بالشّرع لا بالطّبع؛ لأنّ الله قد زينها وحذّر منها ابتلاءً واختبارًا.

وقال بعضُ النَّاس: إنّما الزّاهد من بغَضَ الدّنيا طبعًا بغريزته، كما يبغضُ الأَنْتَانَ (٣) وشبهها، وإن مَنْ لم يحلّ هذا المحلّ وإن بغضَ الدّنيا بأجمعها فليس بزاهدٍ وإنّما هو صابر. وهذا غلطٌ ظاهرٌ؛ لأنّ ما طُبعَ عليه الإنسان لا يُؤْجَر عليه إذ لا كَسْبَ له فيه، وإنّما يُؤْجَرُ الزّاهدُ على الصّبر على الزّهد فيما طُبعَ على محبته والبغض له، ولذلك أشار (٤) ابن المنكدر فقال: لو لقيت الله وليس لي ذنب إلّا حبّ الدّنيا لخشيت أنّ يقال: هذا أحبَّ ما أبغضَ الله، فوصف قائل هذا القول الزُّهدَ بحقيقة ما يكون عنه ولم يخرج عن معناه. ألَّا ترى أنّك تقول: زهدت في الدّنيا فهانت علىَّ، ولا


(١) تتمّة الكلام كما في المقدّمات: " ... ممّا في يده، ومع هذا فيدّخره ليتنعّم به أو يتصدّق به للمحمدة والثّناء فيكون راغبا فيه، وقد يتصدّق به لله لا للمحمدة فيكون زاهدًا فيه، وليس التصدّق به لله هو الزّهد نفسه، ولكنه عن الزّهد كان".
(٢) القيامة: ٢٠.
(٣) أي الروائح الخبيثة.
(٤) أسقط المؤلِّف هاهنا فقرة كاملة بداعي الاختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>