للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمّا بالتّعريض من غير سؤالٍ، كما فعلَ أبو هريرةَ حين خرجَ يَسْتَقْرِىءُ القرآنَ لعلّ يُفْهَم في صوتِهِ الجوعُ؛ صيانةً لماءِ الوجهِ، مع التّوَسُّل بالإعلامِ بالحاجةِ، فلم يَفْهَمْ ذلك أحدٌ منهم ممّن تعرّض له إلّا الرّسول (١).

وإمّا أنّ يَخْرُجَ إلى شخصٍ معيَّنٍ يَغْلِبُ على ظنّه أنّه يَرْفَعُ حاجته.

وإمّا أنّ يعْرِضَ نفْسَهُ على كلِّ أحدٍ، وهي الغايةُ في الكشفةِ (٢)، ولمّا خرجَ رسولُ الله إلى أبي الهيثمِ مع أصحابه، وخبزَ لهم وذَبَحَ واستَعْذَبَ، فبلغوا ما أرادُوا من ذلك، قال لهم النّبىُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لَتُسْئلُنَّ عن نعيمِ هذا اليومِ". إشارةً منه إلى أنّهم لو وَجَدُوا كِسْرَةً تُقيمُ الصُّلْبَ وتَحْفَظُ القوّةَ، لكان في ذلك كفايةٌ وغُنْيَةٌ، فكيف وقد وجدوا الأَثَافِىَّ الثّلاثةَ الّتي يَقُومُ بها قِدْرُ اللَّذَةِ، وهي الخُبزُ واللَّحمُ والماءُ الباردِ.

الفائدةُ الرّابعة (٣):

اختلف الشّارحون للحديثِ في ضبط قوله: "لَتُسْأَلُنَّ" هل هو بالتّاء على معنى خطاب النّبىِّ للقوم، أو بالنّون على معنى الإخبارِ عنه وعنهم، والنّبىُّ عليه السّلام لا شكّ مسؤولٌ، ولكن مضمونٌ عنه صِحَّةُ ما يقولُ، وسائرُ الخَلْقِ يتفاوتونَ في المرتبة، فأقواهُم حُجَّةً أعظمُهُم سلامة، وخصوصًا أبو بكرٍ وعمرَ، ولهذا طُرِحَ لعمرَ صاعٌ من تَمْرٍ فأكَلَهُ (٤) لحاجته إليه، ولو فَقَدَهُ لصَبَرَ عنه.


(١) - صلّى الله عليه وسلم - ويشيرُ المؤلِّفُ إلى حديث مالك في الموطَّأ (٢٣٦٧) رواية يحيى.
(٢) تتمّة الكلام كما في القبس: "ولكنّه ينبغي أنّ يتنزَّلُ المرءُ في هذه المنازل، ويأخُذَها أوّلا فأوّلا على هذا التّرتيب، حتّى يحكُمَ الله تعالى بإيقافه حيث شاء منها".
(٣) انظرها في القبس: ٣/ ١١٢٠.
(٤) أخرجه الإمام مالك في الموطّأ (٢٦٩٥) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٩٦٠)، وسويد (٧٠٧)، ومحمد بن الحسن (٩٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>