للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الحديث يحتمل أنّ يكون فيمن شَعره سَبِطٌ لا يحتاجُ إلى أنّ يُرَجِّلَهُ في كُلِّ وقتٍ، وأمّا غيره فلا.

ورأى رسولُ الله رَجُلًا ثائر الرّأس، فقال: "إمَّا أنّ تُحْسِنَ إِلَى شَعَرِك، وإَمَّا أنّ تَحْلِقَهُ (١).

ورآى رَجُلًا ثائر اللِّحية، فقال: لِمَ يُشَوِّهُ أَحَدُكُم بِنَفسِهِ؟! " (٢).

قال الإمام: وفي هذا الحديث النَّدب إلى النّظافة وإلى الزِّيِّ الحسن؛ لأنّ ذلك من زِيِّ الإسلام وأهل الإيمان، والشُّعْوثَة وسُوء الهيئةِ من زِيِّ الكفّارِ. والشياطين، ولذلك ساق مالك في هذا الباب، قال: كانَ رسولُ الله في المسجدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرُ اللِّحيَةِ والرَّأسِ، فأَشَارَ إِلَيهِ رسولُ الله بِيَدِهِ أَنِ اخرُج، كَأَنَّهُ يريدُ إصلاحَ شَعَرِ رَأسِهِ وَلِحيَتِهِ. فَفعَلَ الرَّجُلُ ثُمَّ رجعَ، فقال رسولُ الله: "ألَيْسَ هذا خَيرًا مِن أنّ يَأتِيَ أَحَدُكُم ثَائِرَ الرَّأسِ كَأَنَّهُ شَيطَانٌ" (٣).

الثّالثة:

وفي بعض طُرُقِ الأحاديث؛ أنّه رأى رَجُلًا عليه ثيابٌ وَسِخَةٌ، فقال: "أَمَا كَانَ يَجِدُ هذا ماءً يَغْسِلُ به ثَوبَهُ" (٤) فكان يحثُّ على النّظافةِ والزِّيَّ الحَسَنِ.

الرّابعة (٥):

أمّا التّشبيه بالشَّيطان، فلِمَا يقعُ في القلبِ من قُبْحِ الصّورة والهيئة والبغضة لذلك، والله أعلمُ. وقد قال تعالى في شجرة الزقّوم: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} (٦) على هذا المعنى، والله أعلم. وقد بَيَّنَّا معن التَّرَجُّل وإصلاح الشَّعَرِ فيما تقدّم.


(١) أخرجه أبو داود في المراسيل (٤٤٨)، وذكره ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٧/ ٧٧ - ٧٨ من طريق عثمان بن الأسود عن مجاهد عن رسول الله.
(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط (٨٢٩٠)، وفي الصغير (١٠٧٩) من حديث جابر. وذكره ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٧/ ٧٧ - ٧٨، قال الهيثم في "المجمع: ٥/ ١٦٤ "رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه موسى بن زكريا التُّسْتَرِيّ، وهو ضعيف"، ورواه أبو داود أيضًا في المراسيل (٤٤٨) من حديث مجاهد.
(٣) أخرجه مالك في الموطَّأ (٢٧٣٢) رواية يحيي، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٩٩٥)، وسويد (٦٦١).
(٤) أخرجه أبو داود (٤٠٦٢ م)، وابن حبّان (٥٤٨٣)، وابن عبد البرّ في التمهيد: ٥/ ٥٢ - ٥٣، كلهم من طريق الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر.
(٥) أغلب هذه الفائدةُ مقتبسٌ من الاستذكار: ٢٧/ ٨٠.
(٦) الصّافات: ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>