للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصوير الباطل في صورة الحقِّ، وقد قال رسول الله في المتَفَيْهِقِينَ أَنَّهُمْ أبغضُ الخَلْقِ إلى اللهِ (١).

وقال آخرون -وهم الأكثر عددًا-: إنّه كلام أريد به المدح، قالوا: والبيانُ ممدوح، بدليل قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (٢)، وبدليل قوله (٣):"فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهَا" ولأنّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أعجبه مع أنّه أميرهم بالفصاحة، فشبَّهَهُ بالسِّحر لِغَلَبَةِ السِّحر على القلوب واستمالته إليها، وهذا هو الحقُّ.

حديث مالك (٤)؛ أنّه بلغه: أن عيسَى بنَ مريمَ كان يقول: "لا تُكثِرُوا الكلامَ بغير ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُو قلوبُكُمْ؛ فإنّ القَلْبَ القاسي بعيدٌ من اللهِ" الحديثُ صحيحٌ (٥).

قال الإمام (٦): يريد -والله أعلم- أنّ الكلام بغير ذكر الله يكون لغوّا وإن كان منه المباح، فقد يكون منه المحظور، فالغالب عليه ما تقسو به القلوب.

وقوله: "فإن القلبَ القَاسِي بعيدٌ منَ اللهِ" يريد: بعيد من رحمة الله.

وقوله: "ولا تَنْظُرُوا في عُيُوبِ الناسِ كأنَّكُمْ أَرْبَابٌ" يريد أنّ العبد لا ينظر في


(١) رواه ابن أبي شيبة (٢٥٣٢٠)، وأحمد: ٤/ ١٩٣، وابن حبان (٤٨٢، ٥٥٥٧)، وهناد بن السريّ في الزهد (١٢٥٥)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (١٧٧)، والحارث كما في بغية الباحث (٨٥٢)، كلهم من حديث أبي ثعلبة الخشني. قال الهيثمي في المجمع: ٨/ ٢١ "رواه أحمد ... ورجال أحمد رجال الصحيح".
(٢) الرّحمن: ٣ - ٤.
(٣) أي قول عبد الله بن عمر في حديث الموطّأ (٢٨٢٠) رواية يحيى.
(٤) في الموطّأ (٢٨٢١) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (٢٠٧٥)، وسوبد (٧٦٢)، وابن المبارك في الزهد (١٣٥)، والقعنبي عند البيهقي في شعب الإيمان (٥٠٢٣)، وأبي نعيم في الحلية: ٦/ ٣٢٨.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (٣١٨٧٩، ٣٤٢٣٠)، وهناد بن السري في الزهد (١١٢٢)، وابن أبي عاصم في الزّهد: ٥٦، وأبو نعيم ني الحلية: ٦/ ٥٨، وابن عبد البر في الاستذكار: ٢٧/ ٣٢٣.
(٦) من هنا إلى بداية حديث بلال مقتبس من المنتقى: ٧/ ٣١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>