للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القولُ الثاني- قال ابنُ حبيبٍ: وقتُها واحدٌ تُعَجَّلُ ولا تُؤَخَّرُ، إلَّا في الجمعة فإنّه يُعَجَّلُ بها أكثر من سائرِ الأيامِ (١) ".

شرح (٢):

أمرَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - بالإبراد، وعَلَّلَ ذلك بأنَّ شدَّةَ الحرِّ من فَيْحِ جهنَّم، ولم يَأْمُر بتأخير الصّلاة في شدَّةِ البردِ، فلا يتعلَّق به حُكْم التّأخير.

والأصلُ في ذلك: ما رواه أَبُو خَلْدَةَ، عن أنس؛ قال: كان رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - إذا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكَّرَ بالصَّلاةِ، وإذا اشْتَدَّ الحرُّ أبردَ بها (٣).

ومن جهة المعنى: أنّه لا رِفْقَ بتأخيرها، بل الرِّفق بتقديمها؛ لأنّ بتأخير البرد رُبَّمَا تمكَّنَ العَشِىُّ وقَرُبَ اللَّيلُ.

فائدة لغوية (٤):

قولُه - صلّى الله عليه وسلم -: "أبْرِدُوا عنِ الصَّلاة".

قال الإمام الحافظ - رضي الله عنه -: هذا كلامٌ قَلِقٌ في الظَّاهر، ونظامُه الْبَيِّنُ: أبرِدُوا الصّلاةَ. يقالُ: أبردَ الرَّجلُ، إذا دَخَلَ في زمانِ البَرْدِ أو مَكَانهُ، ولكنَّه مجازٌ عبّرَ فيه بأحد أسبابِ المجازِ وهو التّسْبِيبُ، حَسَبَ ما بيّنّاه في أصول الفقه (٥)، فكنّى عن الشّيء بثَمَرَته وهو التأخيرُ، فكأنّه قال: أبْرِدُوا عن الصّلاة؛ صيانةً لها عن أنّ يُنَاطَ بها التّأخيرُ لفظًا، فكيف فعلًا! وقد قال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: "أَخِّرْ عَنِّي أنتَ يَا عُمَرُ" (٦) يعني نَفْسَكَ.


(١) ووجه هذا القول: أنّ العصر يكون في وقت يخفّ الحرّ، ويطرأ على النَّاس وهم متأهبّون للصلاة.
(٢) هذا الشرح مقتبس من المنتقى: ١/ ٣٢.
(٣) أخرجه البخاري (٩٠٦).
(٤) انظرها في القبس: ١/ ١٠٨.
(٥) يقول المؤلِّف في المحمول في علم الأصول:٥/ ب وأقرب عبارة فيه [أي في المجاز] أنّ يقال: إنّه على وجهين: أحدهما: التشبيه ... والثاني: التسبيب، وهو على وجهين: أحدهما أنّ يُعبّر عن الشيء بمقدّمته السابقة له. والثاني أنّ يعبّر عنه بفائدته".
(٦) رواه البخاري (١٣٦٦) عن عمر مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>