للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي عن مالكٌ رضي الله عنه -وهو اختيار العراقيّين (١) - أنّ الماء لا ينجِّسُه إلَّا التغيّرُ.

وروَى بعضُ المدنيِّين عن مالكٍ؛ أنّه إنّ لم يتغيّر وكان يسيرًا أنّه مشكوكٌ فيه، منهم عبد الملك (٢) ومحمدُ بن مَسْلَمَةَ.

قال الإمام الحافظ: والصّحيحُ الّذي يُدَانُ الله به أنّ الماء لا ينجِّسُهُ إلَّا ما غيَّرَ أحدَ أوصافه، وأنّه ما دام قائمًا على ما خَلَقَهُ اللهُ فيه من الصِّفات فإنَّه على أصله في الطّهارة؛ لأنّه إنّما كان ماءً بما هو عليه من الصِّفات، طهورًا كما أنزلَهُ الله من السماء، فما غيّره فهو الّذي سلَبَ حكمه، حتّى غلا في ذلك بعض المدنيِّين، فروى ابنُ نافع، عن مالكٍ؛ أنّ يسيرَ النّجاسةِ إذا وقعت في الكثيرِ من المائعاتِ، كالزّيت واللَّبَن، فإنّه لا يُنَجِّسُهُما، وهو قولٌ ضعيفٌ من وجهين:

أحدُهما: أنّه سَاوَى بين الماء والمائعات، ولا مساواةَ بينَهُما.

والثّاني: أنّه صَدَمَ الحديث الصَّحيحَ؛ وهو قولُه: "إذا وقَعتِ الفأرةُ في سَمنِ أحَدِكُم، فإن كان جامدًا فألقوها وما حولَها" الحديث الخ (٣).

إذا ثَبَتَ أنّ الماءَ لا يؤثَّرُ فيه إلَّا التّغيّرُ، فإنّه يتركَّبُ على هذا الأصل عشرُ صُوَرٍ (٤):

الصّورة الأولى:

هو أنّ يكون معه إناءٌ شكٌّ فيه، هل وقعت فيه نجاسةٌ أم لا؟ فعلى القول بأنّه طاهرٌ؛ يتوضّأُ ويصلِّي به، وعلى القول بأنّه نَجسٌ؛ فإنّه لا يتوضّأُ به عندنا؛ لأنّ الشَّكَّ


(١) انظر الإشراف: ١/ ٣ (ط. تونس).
(٢) لعله ابن الماجِشُون.
(٣) رواه عبد الرزاق (٢٧٩)، من طريقة النسائي في الكبرى (٤٥٨٦) من حديث ميمونة. وقد روي من طرق أخرى، انظر التمهيد: ٩/ ٣٨.
(٤) انظرها في القبس: ١/ ١٣٢ - ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>