للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما نهى النّبيُّ عليه السَّلام عن الوضوء بماء ثَمُودَ، وحضَّ على بِئرِ نبىِّ الله صالح الّتي كانت النّاقة تَرِدُها (١).

وهذا ضعيفٌ، فإنّه لو كان ماءَ سَخطٍ وعذابٍ لما أَذِنَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - في رُكُوبه، وكيف لا يُتوضَّأ به وهو مُنَزَّلٌ من السَّماء، مُخرجٌ بالقدرة إلى التهيُّؤِ للمنفعةِ، وليس فيه أكثرُ من أنّه لا يصلح للشَّفة (٢)، وذلك لا يمنَعُ من جواز الوضوء كالماء الأُجَاجِ، وقد ركِبَ الصّحابة البحرَ على زمان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -.

وقد جاء أيضًا عن جابر بن عبد الله كراهية الوُضوءِ بماءِ البحرِ. وليس لأحدٍ حجَّة مع خلاف السُّنَّة، قد ركبه الصّحابة ركوبًا طويلًا مِرَارًا، فما رُوِيَ عن أحدٍ منهم أنّه احتمل تُرابًا للتيمُّمِ.

وقال شيخُنا جرير بن سلمة (٣): اعلم أنّ ماءَ البحرِ طاهرٌ مطهرٌ للنّجاساتِ، هذا قولُنا وقولُ جماعةِ العلماءِ، وهو قولُ أكثر الصّحابةِ والتّابعين، إلَّا أبا هريرة وابن عمر فإنّهما أجازا التّطُّرَ به ومنعا التّطهير به أيضًا.

والدلالةُ على صحة قولنا: قولُه تبارك وتعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} الآية (٤)، وقوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (٥)، وقوله: {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (٦)، وقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "خلقَ اللهُ


(١) أخرجه البخاري (٣٣٧٩)، ومسلم (٢٩٨١) من حديث ابن عمر.
(٢) أي للشُّرب.
(٣) لم نعثر على ترجمته، وسبق أنّ ورد باسم "ابن مسلمة".
(٤) سورة ق: ٩.
(٥) الفرقان: ٤٨، وانظر أحكام القرآن: ٣/ ١٤١٥.
(٦) الأنفال: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>