للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوضوءُ من الأكل، وإنّما كان الوضوءُ من سَبَبِهِ الواجب لأجل الصّلاة.

وقد أنكر أُبَيُّ بنُ كعب وأبو طلحةَ على أنَس مسألتَهُ الّتي جاء بها من سَفَرِه؛ وهي الوضوءُ مما مَسَّتِ النّارُ، فندَمَ أنسٌ ورجَعَ عن قوله (١).

والمسألةُ اليومَ ساقطة الاعتبار؛ لإجماع علماء الأمصار عليها (٢)، وإنّما خَصَّ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - لحومَ الإبلِ بذكر الوضوء في الحديث؛ للإشارة إلى غِلَظِها وزُهُومتِها (٣)، والصّلاةُ ينبغي أنّ تكون على أكمل نظافةٍ؛ ولأجل ذلك شُرِعَت فيها الطّهارةُ.

وأمّا مذهبُ (٤) ابن شهابٍ، فلا نقولُ به، كان يتوضأ ممّا مسَّتِ النّار، وقد قيل

له: إنّ الوضوءَ مما مسَّتِ النّار كان في أوّل الإسلام ثمّ نُسِخَ، فقال: أعيا الفقهاء أنّ

يعرفوا النّاسخ من المنسوخ من حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وقال: لو كان منسوخًا لما خَفِيَ على أمَّ المؤمنين (٥).

وقد قال بعضُ من تكلّم في شرح غريب الحديث؛ إنّ قولَهُ: "توضّأ ممّا مسَّتِ "النّار" (٦) إنّما أراد به غسل اليد، قال: لأنّ الوضوء مأخوذ من الْوَضَاءَةِ وهي النّظافة، فكأنّه قال: نَظَّفُوا أيديكم ممّا مسَّتِ (٥) النّار، ومن دَسَمِ ما مسَّت النّار.


(١) أخرجه مالك (٦٢) رواية يحيى.
(٢) حكى هذا الإجماع ابن حزم في مراتب الإجماع: ٢٠، وقال الباجي في المنتقى: ١/ ٦٥ "وعلى ترك الوضوء ممّا مست النّار جميع الفقهاء في زماننا، وإنّما كان الخلاف فيه زمان الصحابة والتابعين، ثم وقع الإجماع على تركه".
(٣) أي لسمنها وكثرة شحمها.
(٤) من هنا إلى آخر الباب مقتبس من الاستذكار: ١/ ٢٢٤ - ٢٢٥ (ط. القاهرة).
(٥) عزاه ابن عبد البرّ إلى عبد الرزاق، ولم نجده في المطبوع من المصنف.
(٦) أخرجه عبد الرزاق (١٦٨)، وابن حبان (١١٤٦)، وابن المنذر في الأوسط: ١/ ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>