للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مُصَلَّاهُ"، وفي بعضها أنّه " لمَّا انصرف كبَّرَ".

قال الإمام (١): ومن ذكر أنّه كَبَّرَ زاد زيادة (٢) يجب قَبُولها. ومن روى أنَّه لم يُكَبَّر، فقد أراح نَفسَهُ من الكلام في هذا الباب.

أمّا القول والترجمة فيه على رواية من روى أنَّه كَبَّرَ، فقد ظَنَّ بعض شيوخنا؛ أنّ في إشارته إليهم: أنِ "امكُثُوا" دليلًا على أنّه إذا انصرف (٣) بنَى بهم؛ لأنّه لم يتكلّم.

قال الإمام الحافظ (٤): وهذا جهلٌ عظيمٌ، وغلطٌ فاحش من قائله، إذ لا يجوز عند أحد من العلماء أن يَبْني أحدٌ على ما صنع من صلاتة وهو غير طاهر، ولا يخلو أمره من أحد ثلاثة أوجُهٍ (٥):

الأوّل: إمّا أنّ يكون بني على التكبيرة الّتي كَبَّرَها وهو جُنُبٌ، وبَنَى القوم معه على تكبيرهم، فإنْ كان هذا فهو منسوخٌ بالسُّنَّةِ والإجماع. وأمّا السُّنَّة فقولُه -عليه السّلام-: "لا يقبلُ اللهُ تعالى صلاةً بغيرِ طُهُورٍ" (٦)، فكيف بَنَى على ما صلَّى وهو غير طاهر! وتكبيرةُ الإحرام رُكنٌ من أركان الصّلاة، فكيف يجزئه بناؤُه وقد عملها على غير طهارةٍ، وهذا لا يَظُنَّهُ ذُو لُبٍّ، ولا يقولُه أحدٌ؛ لأنّ علماء المسلمين مجتمعونَ على أنّ الإمام وغيره من المصلِّين لا يَبني أحدٌ منهم على شيءٍ عمله في صلاته وهو غيرُ طاهرٍ. وإنّما اختلفوا في بناء المُحدِثِ على ما صلَّى وهو طاهرٌ قبل حَدَثِه، وقد بيَّنَّا ذلك في باب الرُّعَافِ (٧).

والوجة الثّاني: هو أنّ يكون رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلم- حين انصرف بعد غُسلِهِ استأنفَ صلاته واستأنفها أصحابه معه بإِحرامٍ جديد، وأبطلوا إحرامهم إنّ كانوا قد أَحْرَمُوا. وقد كان لهم


(١) الكلام موصول للإمام ابن عبد البرّ.
(٢) وهي زيادة حافظ.
(٣) أي انصرف إليهم.
(٤) الكلام موصول للإمام ابن عبد البرّ.
(٥) انظر هذه الأوجه في التمهيد: ١/ ١٧٩ - ١٨١ أيضًا.
(٦) أخرجه مسلم (٢٢٤) من حديث ابن عمر.
(٧) انظر صفحة. ١٩١ أو ما بعدها من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>