للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدة الثّانية:

فيه (١) استعمال الطِّيب لمن قدر عليه يوم الجمعة وفي العيدين، وذلك مندوبٌ إليه حَسَنٌ، مُرَغَّبٌ فيه، فقد كان رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - يُعْرَفُ خُرُوجُهُ برائحته إذا خرجَ للصّلاة، وإذا مَشَى، وقد قال بعضُ المعتنين بأخباره وفَضَائِلِه أنّ رائحته تلك كانت بلا طِيبٍ (٢)، فإنَّهُ طَيِّب الرِّيح خَفِيف المَحْمَل (٣). ومنه حديث أم سُلَيم في أخذها عَرَقِهِ في القَوارير، إذْ قالت له (٤): "هو من أَطيَبِ الطِّيب" (٥)، ومع هذا فقد كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قد حبّب إليه ذلك من دنياكم، لقوله صلّى الله عليه: "حُبِّب إِلَيَّ فِق دُنيَاكُمْ ثَلاثَ: النِّساءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصَّلاَةِ" (٦).

وقد كان أبو هريرة يُوجِبُ الطِّيبَ وجوب سنّة وأدبٍ. والله أعلم (٧).

وقد قيل لابن عبّاس: إنّ أبا هريرة يُوجِبُ الطِّيب، فقال: لا أعلَمُه ولكنّه حَسَنٌ.

الفائدة الثّالثة:

فيه التّرغيب في السِّواك، والآثار في ذلك كثيرة جدًّا أضرَبْنا عنها، والعلماء كلهم يندبون إليه، ويستحبّونه، ويحثّون عليه، وليس بواجبٍ عندهم. وذهب أهل الحديث لوجوبه (٨)، وقال الشّافعي (٩): لو كان واجبًا لأمرهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بذلك أَمْرَ وُجوبٍ،


(١) من هنا إلى قوله: خفيف المحمل، مقتبسٌ من الاستذكار: ٢/ ٧٦ (ط. القاهرة).
(٢) ذكر ذلك إسحاق بن راهَوَيْه، نصّ عليه ابن عبد البرّ في الاستذكار.
(٣) أورده ابن عبد البرّ قوله: فإنّه ... إلخ على أنّه من قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وقد أخرجه مسلم (٢٢٥٣) من حديث أبي هريرة.
(٤) أي للنبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -.
(٥) أخرجه مسلم (٢٣٣١) من حديث أنس.
(٦) أخرجه أحمد: ٣/ ١٢٨، والنسائي في الكبرى (٨٨٨٧)، وأبو يعلى (٣٤٨٢)، والطبراني في الأوسط (٥٢٠٣)، والبيهقي: ٧/ ٧٨ من حديث أنس، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير: ٣/ ١١٦ "إسناده حسن".
(٧) يقول ابن عبد البرّ في الاستذكار: ١/ ٧٦ - ٧٧ "إنّ كان أبو هريرة يوجب الغسل وُيوجبُ الطِّيب فما كان في قوله حجة، إذ كان الجمهور يخالفونه فيما تأوّل من ذلك".
(٨) يقول ابن قدامة في الشرح الكبير: ١/ ٢٤٢"أكثر أهل العلم يرون السِّواك سنّةً غير واجبٍ، ولا نعلم أحدًا قال بوجوبه إلّا إسحاق وداود".
(٩) في الامّ: ١/ ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>