للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله (١): "هُوَ صَدَقةٌ للهِ" يريد بذلك: إخراج ما فُتِنَ به من ماله وتكفير (٢) اشتغاله عن صلاته. وهذا يدلُّ على أنّ مثل هذا كان يَقِلُّ منهم ويَعظُمُ في نفوسم.

وفي الجملة: إنّ الإقبال على الصّلاة، وترك الالتفات فيها، مأمورٌ بأحكامها (٣)، قال الله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (٤). قال أهل التّفسير (٥): هو الاقبال عليها والخشوع فيها.

وقد كرهَ العلماءُ كلّ ما يكون سببًا للالتفات، ولذلك كره النّاس تزويق المسجد بالذَّهب والفِضَّة والنُّقوش المُزَخْرَفَةِ.

وقوله: "هُوَ صَدَقَةٌ" يقتضي الصّدقة برقبه المال (٦)، وإنّما صُرِفَ ذلك إلى اختيار النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -، لعلمه بأفضل ما تُصْرَفُ إليه الصّدقات، وحاجته إلى صَرْفِهَا في وجوهها.

حديث عَبْد اللهِ بْن أبِي بكرٍ (٧)؛ أَن رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطٍ لَهُ بِالقُفِّ- وَادٍ مِن أَودِيَةِ المَدِينَةِ- في زَمَانِ الثَّمَرِ، وَالنَّخْلُ قَد ذُلِّلَت، فَإذَا هُوَ لاَيَدْرِي كَم صَلَّى؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَصَابَتْنِي في مَالِي هَذَا فتْنَةٌ، فَجَاءَ عُثمَانَ بْنّ عَفَّانَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ صَدَقَةٌ، فَاجْعَلْهُ في سَبِيلِ اللهِ (٨)، فَبَاعَهُ عُثمَانُ بِخَمسينَ أَلفًا، فَسُمِّيَ ذَلِكَ المَالُ: الخَمْسِينَ.

العربية (٩):

قوله: "بِالْقُفِّ" القُفُّ ما صَلُبَ من الأرض واجتمعَ، ومنه قَفَّ شعري، أي اجتمعَ وتقبَّضَ (١٠).


(١) في حديث الموطَّأ (٢٦١) رواية يحيى.
(٢) م، غ: "ويكفر".
(٣) في المنتقى: "مأمورية من أحكامها".
(٤) المؤمنون: ٢.
(٥) المراد هنا هو الإمام مالكٌ، كما في العتبية: ١/ ٢١٩ في كتاب الصّلاة الأوّل، من سماع ابن القاسم عن مالك.
(٦) م، غ: "حرمة المال"، جـ: "الصّدقة خبر فيه الحال" والمثبت من المنتقى.
(٧) في الموطَّأ (٢٦٢) رواية يحيى.
(٨) الّذي في الموطَّأ: "في سُبُلِ الخير".
(٩) كلامه في العربية مقتبس من المنتقى: ١/ ١٨١.
(١٠) انظر مشكلات موطَّأ مالكٌ: ٨٠، ومشارق الأنوار: ٢/ ١٩٢، وعن القُفّ الوادي انظر: معجم ما
استعجم: ٣/ ١٠٨٧، والمغانم المطابة: ٣٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>