للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: الحديث الثّاني يقضي على الأوّل، وهو حديث (١) أبي سعيد المَقْبُرِيّ، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "غُسْلُ يومِ الجُمُعَةِ وَاجِب على كلّ مُحْتَلِمٍ" (٢) وحديث ثالث، قوله: "حقٌّ على كلِّ مسلمٍ أنّ يغتسلَ في كلِّ أسبوعٍ يومًا (٣).

الجواب - قلنا: هذه الألفاظ غَرَّرَت بقَوْمٍ من الجُهَّال أنّ قالوا بقولكم أنّ غُسْلَ يوم الجمعة فريضةٌ بظاهر هذه الأحاديثِ، وليس كذلك، إنّما هو سُنّة مؤكَّدة. قال أشهب: قلت لمالكٍ: غُسلُ يوم الجمعة واجب؟. قال: ليس كلّ ما جاء في الحديث يكون هكذا.

وهو كلام مُجْمَلٌ بديعٌ على عادة السَّلَف، إذ كانوا يجملون في الأقوال ولا يبسطونها (٤). والدّليل على سقوطه أربعة أوجه:

الوجه الأوّل: قال شيخُنا الفهريُّ، قال: قال لنا قاضي القضاة الدّامغانيُّ (٥)، قال: حدّثنا (٦) أبو الحسين" (٧)، رئيس (٨) الحنفيّة في وقته، قال: قولُ النَّبيِّ عليه السّلام: "غُسْلُ يومِ الجمعةِ واجبٌ" يعني: ساقطًا، يحتمل أنّ يسقط بسقوط الفرائض، ويحتمل أنّ يسقط بسقوط السُّنن، فلا يكون له في الحديث متعلّق.

الوجه الثّاني: رَوَى النَّسائي (٩)، وأبو داود (١٠)، عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -؛ أنّه قال: "من


(١) من هنا إلى آخر المسألة ورد بالقبس: ١/ ٢٦٤ - ٢٦٦.
(٢) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٢٦٧) رواية يحيى.
(٣) أخرجه البخاريّ (٨٩٧)، ومسلم (٨٤٩) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(٤) م، غ: "يختلفون في الأقوال ولا يسطرونها"، جـ: "يختلفون في الأقوال ولا يستظهرونها" والمثبت من القبس.
(٥) هو أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني الحنفي (ت. ٤٨٧) انظر أخباره في الفوائد البهية في تراجم الحنفية: ١٨٢ - ١٨٣.
(٦) جـ: "أخبرنا".
(٧) في النّسخ، والقبس: "أبو الحسن" والمثبت من القبس: ٤/ ٦٠٨ (ط. هجر) وأبو الحسين هو أحمد بن محمد القدوري (ت. ٤٢٨)، انظر أخباره في الفوائد البهية للكنوي: ٣٠ - ٣١، ووفيات الأعيان: ١/ ٧٨.
(٨) في النسخ: "بن" والمثبت من القبس.
(٩) في الكبرى (١٦٨٤) من حديث سمرة.
(١٠) في سننه (٣٥٤)، والحديث أخرجه أيضًا أحمد: ٥/ ٨، والدارمي (١٥٤٨)، والترمذي (٤٩٧)، وابن خز يمة (١٧٥٧)، والبيهقي: ١/ ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>