للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو بكر: والعهدُ في القرآن: كلُّ ما كان فيه الوَعْدُ على العمل الصّالح، مثل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية (١)، وكذلك: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} (٢).

وقال القاضي أبو الوليد الباجي (٣): "في هذا الحديث، "استخفَافًا بحَقهِنَّ" هو احترازٌ من النِّسيَانِ والسَّهْوِ الّذي لأ يمكن لأحدٍ الاحترازَ منه، إلَّا مَنْ تفضَّلَ اللهُ عليه بالعِصْمَةِ، فمن نقصَ منهُنَّ شيئًا استخفَافًا وهو عالِمٌ بذلك، فذلك المستخفُّ قَطْعًا الّذي لا عَهدَ له.

وقوله: "مَنْ لَمْ ياتِ بِهِنَّ" نصٌّ في أنَّ مرتكبَ الكبائر في المشيئة، ومانِعٌ من قول من قال: لا يغفر له، ومانعٌ أيضًا من قول من قال: إنّه كافرٌ (٤). ومعنى الحديث: ألاّ يأتي بها وهو مؤمنٌ بها، فحُكمُهُ في الدُّنيا أنّ ينتظر به وقت (٥) الصّلاة، فإن صلّاها وإلّا قُتِلَ حَدًّا. وإنّ مَنْ تركها مُكَذِّبًا بِهَا اسْتُتِيبَ ثلاثًا، فإن تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كُفْرًا".

نكتةٌ (٦):

تقديم أبي بكر الوِتْرَ (٧) للاحتياط، وكان عمر قد عَلِمَ من نفسه القوّة على القيام , فكان يؤخِّره.

ومن حُكمِ الشَّفْعِ؛ أنّ يتَّصِلَ بالوِتْر فيما رواه ابنُ القاسم (٨) فيمن تنفَّلَ بعد


(١) البقرة: ٢٧٧.
(٢) البقرة: ٤٣.
(٣) في المنتقى: ١/ ٢٢١.
(٤) يقول القنازعي في تفسر الموطَّأ: الورقة ٢٣ - ٢٤ "أنكر من يقول بإنفاذ الوعيد من أهل البدع حديث عبادة هذا، لقوله في آخره: "ومن لم يأت بهنَّ فليس له عند الله عهدٌ ... " وأهل السُّنَّة لا يختلفون في أنّ الله تبارك وتعالى في وعده للطّائعين من المؤمنين لا يخلفه. وأنه في وعيده لأهل التّوحيد العصاة الّذين يستحلّون ما حرّم الله ورسوله، بالخيار إنّ شاء عذّبهم، كان شاء غفر لهم".
ويقول البوني في تفسير الموطَّأ: ٤٢/ ب "وهذا الحديث يردّ على الحروريّة والمرجئة، وذلك أنّ الحرورية تقول: كلّ من عصى الله فقد كفر. وتقول المرجئة: من قال: لا إله إلا الله فهو مؤمنَّ لا يضرّه ماعمل".
(٥) في المنتقى: "خروج وقت".
(٦) هذه النكتة مقتبسة من المنتقى: ١/ ٢٢٢، ٢٢٣ - ٢٢٤.
(٧) كما في الأثر الّذي رواه مالكٌ في الموطَّأ (٣٢٢) رواية يحيى.
(٨) عن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>