للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): "وهذا أيضًا يحتاج إلى أنّ يثبت عنهم ثبوتًا شائعًا مع عدم المخالف لهم، وإلّا لم يكن إجماعًا".

المسألة الخامسة (٢):

وهي إذا ائْتَمَّ الواقفُ بالجالسِ، فقد قال أبو القاسم في "تفريعه" (٣): "يُكْرَهُ، فإن أمَّهُم أَعَادُوا في الوقتِ"، وهذا عندي على رواية ابن مسلم عن مالكٌ (٤). وأمّا على المشهور من قول مالكٌ، فإنّهم يعيدون (٥) أبَدًا.

نكتةٌ أصولية (٦):

فإن قيل: فأين عصمة النُّبُوَّة حين جُحِشَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - في سقطته؟

الجواب: أنّ عِصْمتَهُ من كلِّ شيءٍ يقدحُ في النُّبُوَّةِ، والسقوط عن الدَّابة لا يقدحُ فيها.

فإن قيل: فأين العصمة يوم أُحُد حين جُرِحَ وَكُسِرَت أضراسُه؟

فالجواب: أنّ هذه الآية (٧) نزلت في القَتْلِ خاصّة كما عُصِمَ منه. وكان سبب هذه الآية؛ أنَّ أعرابيًا جاء إلى النَّبيِّ -عليه السّلام- ليقتلَهُ، فاخْتَرَطَ سيفُهُ (٨) ورفعه، فاستيقظَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - وكان راقدًا تحت شجرة وحدَهُ - فقال له: من يعصمُك منِّي؟ فقال له النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "الله"، فرفع يده ليضربه فتجَمَّدَ ذِرَاعه، فلم يستطع أنّ يرفعه، حتّى رغب لمحمَد -عليه السّلام-، فدعا اللهَ محمَّدٌ - صلّى الله عليه وسلم - فأطلقَ يَدَهُ (٩). ففزع النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وعلم أنّما عَصَمَهُ اللهُ، وخشيَ أنّ يأتيه آخر فيقتله دون أنّ يوقظه، فنزلت الآية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (١٠)


(١) القائل هو الإمام الباجي.
(٢) هذه المسألة مقتبسة من المننقى: ١/ ٢٤١.
(٣) ١/ ٢٢٣ باب الإمامة في الصّلاة. وعبارته هي كالتالي: "ويُكرَهُ أنّ يؤمّ قاعد قيامًا ... ".
(٤) وهي أنّه يجوز لهم الائتمام به قيامًا، والتي سبق الإشارة صفحة: ٢٣٠.
(٥) في المنتقى: "يعيد".
(٦) جاء في هامش ج بقلمِ بعض القراء: "قف على هذه المسألة فهي حسنة جدًّا".
(٧) أي قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} المائدة: ٦٧.
(٨) أي سَلَّهُ من غِمْدِهِ.
(٩) أخرج بنحوه البخاريّ (٢٩١٠، ٤١٣٥)؛ ومسلم (٨٤٣) من حديث جابر.
(١٠) المائدة: ٦٧، وانظر تفسير الطّبريّ: ٦/ ٣٠٨؛ وأسباب النزول للواحدي: ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>