للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا (١) وإن كان عامًّا (٢)، فإنّ الدَّليلَ قد دَلَّ على أنّ المرادَ بذلك بعض الصّلوات وبعض الحالات، وأصلُ ذلك: أنّ القيام رُكْنٌ من أركان الصّلاة، وشرطٌ في صحَّةِ الفَرْضِ منها مع القُدْرَة عليه.

والدّليلُ على ذلك: قولُه تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (٣) ولا خلافَ في ذلك، فوجب (٤) بذلك القيام. وروي أنّ (٥) النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - قال "صَلِّ قائمًا، فإنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لم تستطعْ فَعَلَى جَنْبِ" (٦) فخَصَ بهذا الخبر منَ الآية من لا يستطيع القيام، وبقيت الآية على عمومها في المستطيعين. وقد ثبت بحديث عائشة المرويّ بعد هذا (٧)، جواز التَّنَقُّل جالسًا مع القدرة على ذلك، فَخُصَّتْ (٨) بذلك الآية على قول من زعم أنّها تتناول (٩) الفَرْضَ والنَّفْلَ، وبقيت عامة في المستطيعين القيام في الفريضة، وثبت بذلك أنَّ صلاةَ القاعد إنّما تكون مثل نصف صلاة القائم في موضعين.

أحدهما: من صلَّى الفريضة غير مستطيعٍ القيام.

والثّاني: من صلَّى النَّافلة مستطيعًا أو غير مستطيعٍ.

وقال ابنُ حبيبٍ عن ابن الماجِشُون في تأويل قول النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ الْقَاعِدِ مِثْلُ نِصْف صَلَاةِ الْقَائِمِ": إنَّهم كانوا يستطيعون أنّ يُصَلُّوا قيامًا، إلَّا أَن القعودَ كان أَرْفَق بهم. فأمّا من أقعدَهُ المرض والضَّعف في مكتوبةٍ أو نافلةٍ، فإنّ صلاته قاعدًا في الثَّواب مثل صلاته قائمًا. وقد قيل (١٠): إنّ الحديث ورد في النّوافل (١١)، وهذا تخصيص يحتاج إلى دليلٍ.


(١) أي: وهذا اللفظ.
(٢) يقتضي عمومه أنّ كلَّ صلاةٍ يصلّيها القاعد على كلِّ حالٍ فهي مثل نصف صلاة القائم.
(٣) البقرة: ٢٣٨.
(٤) في المنتقى: "فثبت".
(٥) م، جـ: "عن".
(٦) أخرجه البخاريّ (١١١٧) من حديث عمران بن حصين.
(٧) أي في الموطَّأ (٣٦٤) رواية يحيى، باب ما جاء في صلاة القاعد في النّافلة.
(٨) في النُّسَخِ: "فصحّت" وهو تصحيف، والمثبت من المنتقي.
(٩) م، غ "تتأوّل"، جـ: "تناول" والمثبت من المنتقى.
(١٠) قاله القاضي ابن شعبان، كما نصّ على ذلك لباجي.
(١١) وذلك لأنّ النوافل ليست بواجبة، فالإِتيان بها على حال الجلوس على النِّصف من الإِتيان بها على حال القيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>