للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الجمعُ من حيث المعنى والصُّورة، فما رواه معاذ بن جبل؛ أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - جمعَ بينَ الظُّهر والعصر في سَفَرِهِ إلى تَبُوك (١).

المسألة الرّابعة (٢):

قال علماؤنا: والجمعُ على وجهين: إذا جدَّ به السَّير وكان راكبًا، جَمَعَ في آخر الوقت الظّهر أوّل وقت العصر. وإن ارتحل في أوّل الزّوال، أو جَدَّ به السّير جمع الصّلاتين في أوّل الوقت.

نكتةٌ أصولية:

وهي إذا اجتمع الوَصْفُ والسَّبَبُ، فاختلف أبو حنيفة والشّافعيّ في ذلك، فعند الشّافعيّ أنّه يبدأ بالسَّبب، وإليه يشير ابنُ القاسم. وأبو حنيفة يبدأُ بالوَصْفِ، وإليه ذهب ابن حبيب.

والكلام على هذا في مسألة (٣)؛ وذلك أنّ ابنَ القاسم يقول في الجمع ليلة المطر: إنه يؤخِّر الصّلاة قليلًا حتّى يدخل الظّلام، يريد بعد أنّ يدخل من السَّبَبِ شيءٌ , وهو الظّلام الّذي أَوْجَبَ الجَمْعَ.

وحُجَّتُه: أنّ الجمعَ لا يوجد إلَّا بعد وجود السَّببِ.

وابنُ حبيب يجمعُ بإثر ذلك -يعني أذان المغرب - لتكون الصّلاة في وقتها، ويُرَاعِي الوصف.

والصَّحيحُ قولُ ابن القاسم؛ لأنّ السَّبب يَعُمُّ الوصفَ، والسّبب والوصف لا يعمّهما.

وأعجب (٤) منهما أنّه رُوِيَ عن مالكٌ؛ أنّه يجمعُ المغرب والعشاء في المطر والطِّين في أوَّل الوقتِ (٥).


(١) أخرجه مالكٌ (٣٨٣) رواية يحيى.
(٢) علّق بعضهم في هامش غ على هذه المسألة بقوله: "انظر هذا في الجمع فهو بديعٌ جدًّا".
(٣) جـ:"والكلام في هذا على مسألة".
(٤) انظر الكلام التالي في القبس: ١/ ٣٢٧.
(٥) انظر النّوادر والزيادات: ١/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>