للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسعود الأنصاري عن النَّبيِّ أنّه قال: ممّا أدركَ النَّاس من كلام النَّبُوَّةِ: "إذا لم تسْتَحْي فَافْعَل مَا شِئتَ" (١) هو حديثُ مُسنَدٌ، وفي حديث مالك المُرْسَل زيادة من قوله: "وَضْعُ اليُمْنَى على اليُسْرَى في الصَّلاة".

الأصول:

قال بعض أهل الأصول (٢): هذا الحديث لفظه الأمر، ومعناه التّوبيخ.

وقيل: إنّه على الإباحة.

وكلا الأمرينِ ضعيفٌ.

وفي هذا الحديث وعيد لمن ترك الحياء.

وقال علماؤنا (٣): "لفظ هذا الحديث يقتضي التّحْذِير والذَّم على قلَّة الحياء، وهو أَمرٌ في معنى الخبر. فإنَّ مَنْ لم يكن له حياء يحجزهُ عن محارم الله، فسواءٌ عليه فعلُ الكبائر منها والصّغائر".

وأمّا (٤) قوله: "مِنْ كَلاَم النُّبُوَّةِ" أي من حِكَمِهِمْ على أَلْسِنَةِ النّاس: إذا لم تستحي فافعل ما شئت.

وقد تأول النّاسُ هذا الحديث تأويلين:

أحدهما: إذا كنت لا تستحي من القبيح الّذي يستحي النَّاس منه وأهل الصّلاح (٥)، فاصنع ما شئت، فلا مانع لك، وهذا وإن كان لفظه لفظ الأمر فإن معناه التّوبيخ.

التّأويل الثّاني: أنّه إنّ كان ما تفعله ممّا لا يُسْتَحْيَا منه، فافعل ما شئت، فإنه لا يرتدع أهل الدِّين إلَّا بما يُسْتَحْيَا منه، ويكون قوله: "فَافْعَل مَا شِئتَ" على الإباحة، وهذه (٦) صفة أهل النِّفاق.

قال الله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (٧).


(١) أخرجه البخاريّ (٦١٢٠).
(٢) المراد هو الإمام الباجي في المنتقى: ١/ ٢٨٠.
(٣) المراد هوابن عبد البرّ القرطبي في الاستذكار: ٦/ ١٩١.
(٤) من هنا إلى آخر التّأويل الثّاني مقتبسٌ من المنتقى: ١/ ٢٨٠.
(٥) في المنتقى: "النّاس رأهل الصّلاح منه".
(٦) هذه الجملة من زيادات المؤلِّف على نصِّ الباجي.
(٧) فصلت:٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>