للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإرشاد، مع استحسانهم (١) الرُّكوع لكلِّ مَنْ دخلَ المسجدَ وهو طاهرٌ، في وقتٍ تجوزُ فيه النّافلة.

وقال مالكٌ (٢): هو حسنٌ وليس بواجب.

وأوجب أهلُ الظّاهر (٣) ذلك فَرْضًا على كلِّ من دخلَ المسجدَ في كلّ وقت؛ لأنّ فعلَ الخير لا يُمْنَعُ منه إلَّا بدليلٍ مُعَارِض.

قال الإمام: وهذا القولُ لا يُلْتفَتُ إليه، فإن الأدلَّةَ مَعَنَا قائمةٌ، ولا يقوم بقوله أهل الظّاهر حُجَّة.

قال الطّحاوي (٤): وحُجَّةُ الجماعة في ذلك: اْنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - سُلَيْكًا حين جاء يوم الجمعة وهو يخطبُ أنّ يركعَ ركعتين (٥)، وأمر مرّة أخرى رجلًا رآه يتخطَّى رقابَ النَّاسِ بالجلوس (٦)، ولم يأمره بالرّكوع عند دخوله. وفي حديث آخر: "اجلس فقد آنيتَ وآذَيْتَ" (٧). فهذا يخالفُ حديثَ سُلَيْك، فاستَعْمل الأحاديث على ما تأوَّلَها جماعة الفقهاء (٨).

وقول أهل الظّاهر في ذلك خطأ، لقوله: "ونهيه عن الصّلاة عند طلوع الشّمس وعند غروبها" (٩) وغير ذلك من الأوقات المنهي، فمن دخل المسجدَ في هذه الأوقات، فليس بداخلٍ في أَمْرِهِ -عليه السّلام- بالرُّكوع عند دخوله.

المسألة الثّانية (١٠): قال علماؤنا (١١): قوله: "إذا دخلَ أحدُكُم المسجدَ فَلْيَرْكَعْ ركعتينِ" لَفْظُه لفظ الأمر وهو محمولٌ على النَّدْبِ، بدليل أنّه لا يجب من الصَّلوات


(١) في شرح ابن بطّال: "استحبابهم".
(٢) في الموطّأ: ١/ ٢٣١ رواية يحيى.
(٣) انظر المُحَلَّى: ٢/ ٢٣١، ٥/ ٦٩.
(٤) انظر شرح معاني الآثار: ١/ ٣٦٦، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي، والمُختَصِرُ هو الجصّاص الرّازي: ١/ ٣٣٧.
(٥) أخرجه البخاريّ (٩٣١)، ومسلم (٨٧٥) من حديث جابر.
(٦) رواه أبو داود (١١١٨)، والنّسائي: ٣/ ١٠٣، وابن حبّان (٢٧٩٧)، والحاكم: ١/ ٢٨٨ وقال: "صحح على شرط مسلم ولم يخرجاه" من حديث عبد الله بن بسر. وانظر تلخيص الحبير: ٢/ ٧١.
(٧) أخرجه ابن حبان (٢٧٩٥) من حديث عبد الله بن بسر، وانظر تخريجنا السابق.
(٨) في شرح ابن بطّال: "واستعمال الأحاديث هو على ما تاوّلها عليه جماعة الفقهاء".
(٩) أخرجه مالكٌ في الموطّأ (٥٨٧) رواية يحيى. من حديث ابن عمر.
(١٠) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ١/ ٢٨٥.
(١١) المقصود هو الإمام الباجي.

<<  <  ج: ص:  >  >>