للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقولُ الثّاني (١): ذهب بعض النّاس إلى أنّ المراد بذلك: أنّ يجعلَ بعض فرْضِهِ في بيته ليقتدي به أهله.

وهذا ليس بصحيحِ؛ لأنّ النَّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لم يختلف عنه أنّه قد أنكر التَّخَلُّفَ عن الجماعات، والنِّساء كنَّ يخرجنَ في ذلك الزّمان إلى المساجد فيتعلَّمنَ ويقتدين بصلاة النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -.

ووجه آخر: وقد كان أيضًا يقدر أنّ يعلِّم اْأهله بالقول؛ وإنّما معنى ذلك عندي أنّه أراد به صلاة النّافلة، وكذلك رواه (٢) ابن مُزَيْن عن عيسى ابن دينار وابنِ نافع.

ووجه ذلك: أنّ إتيانَهُ في بيته بالنّافلة أفضل من أنّ يأتي بها في مسجده، هذا حكم النوافل كلّها ليستتر بها أفضل، بَيَّنَ ذلك قوله - صلّى الله عليه وسلم -: " أفضلُ الصَّلاةِ صلاة أحدكم في بَيتِهِ إلَّا المكتويةَ" (٣) فلا كلامَ لأحدٍ مع هذا الحديث، والحمدُ لله.

حديث مالك (٤)، عن نافع؛ أنّ عبد الله بن عمر مَرَّ على رَجُلٍ وهو يصلِّي، فسَلَّمَ عليه، فَرَدَّ الرَّجُلُ كلامًا، فرجع إليه عبد الله بن عُمَرَ، فقال له: إذا سُلِّم على أَحَدِكُم وهو يصلِّي، فلا يتكلِّم وَلْيُشِرْ بِيَدِهِ.

الفقه في ستّ مسائل:

المسألةُ الأولى (٥):

أجمعَ العلماءُ على أنّه ليس بواجبٍ ولا سُنَّةِ أنّ يسلّم على المصلِّي.

والسَّلام على المصلِّي جائزٌ، والأصلُ في ذلك: ما رَوَى جابر بن عبد الله قال: بعثني رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لحاجة ثمّ أدركته وهو يصلِّي، فسلَّمْتُ عليه، فأشارَ إليَّ، فلمّا فرغ دعاني فقال: "إنَّكَ سلِّمتَ عَلَيَّ آنِفًا وأنَا أُصلِّي" (٦).

فوجهُ الدّليلِ منه: أنّه سلّم عليه ولم ينكر عليه، وإنّما أظهر المانع له من ردِّ السّلام عليه نُطقًا.


(١) من هنا إلى آخر المسألة مفنبس من المنتقى: ١/ ٢٩٩.
(٢) في المنتقى: "وكذلك ذكر".
(٣) أخرجه - مع اختلاف في اللّفظ - البخاريّ (٧٣١)، ومسلم (٧٨١) من حديث زيد بن ثابت.
(٤) في الموطّأ (٤٦٦) رواية يحيى.
(٥) الفقرة الأولى من هذه المسألة مقتبسة من الاستذكار: ٦/ ٢٩٢، والباقي مقتبس من المننقى: ١/ ٢٩٩.
(٦) أخرجه الشّافعيّ في سننه: ١٥٣، وأحمد: ٣/ ٣٣٤، والنّسائي في الكبرى (٥٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>