للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلِقَت مِن جَانٍّ (١)، تعلُّقًا بظاهر الحديث، وقد كُرهت الصّلاةُ في مواضع الجِنِّ، لقوله صلّى الله عليه يوم الوادي: "اقتادوا، إنّ هذا وادٍ به شَيْطَانٌ" (٢).

وكان أبو حنيفة يذهب إلى أنّ العلَّة في ذلك طُلوع الشّمس (٣)، وليست هذه بعلَّةٍ عند العلماء، لأنّ العلّة في ذلك نِفَارُ الإبِلِ، وذلك يُؤَدِّي إلى ترك الخُشوع في الصَّلاة.

وقيل: إنّ العلةَ فيها؟ أنّ الصّحابةَ كانوا يستترون بها (٤) عند اتيانهم الغائطَ، فلا تجوزُ الصّلاةُ فيها.

ومن قال من العلماء أنّ ذلك شرطٌ، لم يُجِز أيضًا الصَّلاة فيها بحالٍ، ولذلك قال أهلُ الحديث: إنّ أوامرَ النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - محمولةٌ على الوُجوبِ.

المسألةُ الثّالثة:

اختلفَ العلماءُ في هذا المعنى، هل هو نهيٌ معلَّلٌ، أو شَرْعٌ بغير عِلَّةٍ، أو نهي تنزيهٍ، أو نهي تحريم؟

فأجمع العلماءُ على أنّه نهى تنزيهٍ، إلَّا ما رُوِيَ عن عبد الملك بن حبيب؛ أنَّه قال: من صَلَّى فيها عامدًا أو جاهلًا، أعادَ الصَّلاةَ أبدًا (٥).

وكذلك ذهب أكثر العلماء إلى أنّ النَّهيَ معلَّلٌ، واختلفوا في العِلَّةِ المُوجِبَةِ لذلك، على ما تقدَّمَ ذِكْرُهُ.

ورُوِيَ عن عبد الله بن مغفّل؛ أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "صلّوا في مُرَاح الغَنَمِ، ولا تُصَلُّوا في مَبَارِكِ الإبِلِ، فإنّها خُلِقَتْ من جَانٍّ" (٦).


(١) حكاه البوني في نفسير الموطّأ: ٣٣/ ب.
(٢) أخرجه مالكٌ في الموطّأ (٢٦) رواية يحيى، بدون لفظ: "اقتادوا" وورد هذا اللفظ في صحيح مسلم (٦٨٠) من حديث أبي هريرة.
(٣) انظر المبسوط: ١/ ٢٠٧.
(٤) غ، ج: "فيها".
(٥) انظر قول ابن حبيب في المنتقى: ١/ ٣٠٣.
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة (٣٨٧٧)، وأحمد: ٤/ ٨٥، وابن ماجه (٧٦٩)، وابن حبّان (١٧٠٢) كلهم بلفظ: "خلقت من الشّياطين".

<<  <  ج: ص:  >  >>