للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال مالك (١): "يؤمُّ القومَ أفقهُهم (٢) إذا كانت حاله حسنة".

وقال ابنُ حبيب: ولا يكون عالِمًا حتّى يكون قارئًا.

وقال الثّوريّ: يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهُم.

قال الإمام (٣): ومعنى المسألة والخلاف في ذلك؛ أنّ يكون الرَّجُل (٤) فقيهًا عالمًا، ويقرأُ من القرآنِ ما يُقيمُ (٥) به صلاته ولا يقرؤه كلُّه. ويكون الآخَرُ قارئًا لجميعِ القرآنِ حَسَنَ التِّلاوةِ له، ويَعْلَمُ إقامَة الصّلاةِ على وجهها، إلّا أنّه لا يفقه في أحكامها، ولا يعلمُ أحكام دقائقِ السَّهْوِ فيها، فيكون أحقّ بالإمامة الفقيه (٦) إذا كانت له حالة حَسَنَة.

والدّليلُ على ذلك: تقديم النَّبيِّ صلّى الله عليه لأبي بكرٍ لمّا كان أعلم الصّحابة وأفضلهم، وإن كان فيهم من هو أقرأ منه، وقد قال عمر: أُبيُّ بن كعب أقرؤنا للقرآن (٧).

ودليلُنا من جهة المعنى: أنّ المقدارَ الّذي تفتقرُ إليه الصّلاة قد اسْتَوَيَا فيه، والصّلاةُ لا يُؤمَنْ أنّ يطرأَ فيها ما لا يعلمه القارئ من أحكامها فيفسدها؛ لأنّ ذلك ممّا ينفرد به الفقيه.

وقد تقدَّمَ الكلامُ على هذه المسألة في أوّل الكتاب، وسترى ذلك -إنّ شاء الله- مُبيَّنًا في تفضيل الصَّحابة واحدًا بعدَ واحدٍ، وما زاد كلُّ صاحبٍ على صاحبِه من الفَضل والمناقب في كتاب الجامع مُفَسَّرًا مُبَيَّنًا على التّحقيق إنّ شاء الله.

الفائدة السادسة (٨):

قولُ عائشة: "إنَّ أبا بَكرٍ إذا قَامَ مقامَكَ لم يُسْمِعِ النَّاسَ من البُكَاءِ" قال


(١) في المدوّنة: ١/ ٨٤ في الصّلاة خَلْفَ أهل الصّلاح.
(٢) في المدونة: "أعلمهم".
(٣) الكلام موصول للإمام الباجي.
(٤) في المنتقى: "أحد الرجلين".
(٥) في النُّسختين: "يقوم" والمثبت من المنتقى.
(٦) في المنتقى: "فيكون أحقهما الفقيه".
(٧) أخرجه البخاريّ (٤٤٨١) من حديث ابن عبّاس.
(٨) من أوّل الفائدة إلى قوله: إنّ البكاء لا يقطع الصّلاة، مقتبس من المنتقى: ١/ ٣٠٥، والباقي مقتبس من
التمهيد: ٢٢/ ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>