للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث المرويّ غيها مأخوذ به مع كونه سليم الإسناد، عملًا بمقتضى المعارض له من سُنَّةِ عمليّة مشهورةٍ، واجتهاد بالرّأي، فعلى ذلك بُنِيَ "الموطَّأ" على الاختيار والنقد، وشَدِّ الأثر بالنّظر، ومعارضة الأخبار والأقيسة والآثار والاجتهادات بعضها ببعض. فرَوَى عنه الآثار من وافَقَه على محاملها ومعانيها ومن خالفه في ذلك، فكان الرُّواةُ عنه من المخالِفِينَ له في المعاني والمحامل مجرّدين للأحاديث عما اتّصل بها من فقه، أو مصرِّحن بالمخالفة فيه (١)، فهم مقتبسون من الكتاب اقتباسًا، لا آخذون يحملته؛ لأنّه في جملته كتاب فقه بالأصالة لا كتاب حديث، لم يقصد منه تبيين ما روى، وإنما قصد منه تحقيق ما اجتهد وإسناد مانظر، فما مورد الأحاديث فيه إلّا مورد الأحاديث فيه إلّا مورد الأدلة للفقه والمدارك للأحكام (٢).

ومن هذا المعنى نشأ في "الموطَّأ" الترَّدد الَّذي لم يزل شاغلًا لبال الكثير من العلماء قديما وحديثا، وهو أن هذا الكتاب هل يُعتَبر كتاب فقه أو يُعتبر كتاب حديث؟ فإنَّه في منهجه جديرٌ بأن يثيرَ هذا الترَّدُد؛ لأنَّه منهج يقوم على الجمع بين الفقه والحديث بصورة لا يكاد يتبيَّن معها أنَّه يخلص إلى الفقه أو يخلص إلى الحديث.


(١) كما هو الحال عند محمّد بن الحسن الشيباني في موطَّئه، فقد أخذ أحاديث "الموطّأ" مجرَّدة عن المقاييس النَّقدية الَّتي ألحقها مالك بالأحاديث، وهذا صنيع من لا يلتزم الأصول الَّتي أقيم عليها الذهب المالكي.
(٢) "الموطَّأ" للإمام مالك لمحمد الفاضل بن عاشور، مقال مجلة الأزهر (الجزء:١٠، السنة:٣٥، ذو الحجة سنة:١٣٨٣، صفحة: ١٠٤٤ - ١٠٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>