للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونُورُهُ من نُورِهَا؟ وهذا اختلاطٌ لا يصحّ.

جوانبٌ ثالثٌ: إذا كان نُورُ القمر قليلًا ونُورُ الشّمس كثيرًا، فكيف يظلم الكثيرُ بالقليل، لا سيّما وهو من جِنْسِه أو بعضه؟

جوانبٌ رابعٌ - قلتم: إنّ الشّمس أكبر من الأرض بسبعين ضِعْفًا أو نحوها، وقلتم: إنّ القمر أكبر منها بأقل من ذلك، فكيف يقطع الأعظم في ظل الأصغر؟ وكيف تحجبُ الأرضُ نورَ الشّمس وهي زاوية منها؟

جوابٌ خامسٌ: وذلك أنّه إنّ كان كما قالوا: إنّ الشّمس تخلعُ نورها على القمر، فهذا كسف رأيناهُ مُظْلِمًا (١)، فهذا يدلُّ على أنّه جرْمٌ مُظْلِمٌ والنُّور عرضٌ (٢) يَعْلُوهُ. وعُمْدَتُهُم؛ أنّ الشّمس والقمر نورانِ مَحْضَانِ لا خلط (٣) فيهما، والعِيَان تكذب (٤) برؤية جرْمِهِ أسود عند الكُسُوف.

جوابٌ سادسٌ -وهو الّذي يستقيم-: وذلك أنّ الشَّمسَ لها فَلَكٌ ومَجْرى، والقمرَ له فَلَكٌ ومجرى، ولا خلافَ أنّ كلّ واحد (٥) منهما لا يعدُو مجراه كلّ يومٍ إلى، مثله من العام فيجتمعانِ ويتقَابَلاَنِ، ولو كان الكُسوتُ لِوُقُوعِه في ظِلِّ الأرض في وقتٍ، لكان ذلك الوقت محدودًا معلومًا؛ لأنّ المَجْرَى بينهما (٦) محدودٌ معلومٌ، فلمَّا كان يأتي في الاوقات المختلفة والجريُ واحدٌ والحساب واحدٌ، عُلِمَ قطعًا فساد قولهم هذا، وأنت ترى القمر مُثَلَّثًا ومنصفًا، وهو مع الشَّمس في الأُفُقِ (٧) الأعلى والأرض تحتهما، فعُلِمَ قَطعًا أنّ هذا التخليط لا يُقَدَّر له قَدْرٌ ولا يُقبَل لقائله عُذْرٌ.

فإن قيل: فلم تُصَدِّقونَهُم في استخراج الغيب.

قلنا: قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (٨)


(١) ف، جـ:" ظليمًا" والمثبت من العارضة.
(٢) ف، جـ: "أو نور عرضي" والمثبت من العارضة.
(٣) ف، جـ: "لا خلاط" والمثبت من العارضة.
(٤) في العارضة: "والعيان- على تولهم- يكذبه".
(٥) جـ:"أنّ واحدًا".
(٦) ف، جـ: "منهما" والمثبت من العارضة.
(٧) ف، جـ: "الآفاق"، والمثبت من العارضة.
(٨) المائدة: ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>