للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدة الثّالثة:

قوله (١): "أمّا بعد: إنّ الشَّمس والقَمَر".

قوله: "أمّا بَعْدُ" فهي كلمةٌ تقولُها العرب الاُوَل، وهي من أفصح ما انْفَرَدَت به، وهو حرفٌ وُضِع لتجديد الخبر عمّا سواه بعد ما تَقَدَّمَهُ، جعلت مقدّمة له وفاتحة لسَوْقِهِ.

وقال بعض الشّارحين للحديث: هذا من أفصح الكلام، وهو فصل بين الثَّنَاءِ على الله عَزَّ وَجَلَّ، وبين ابتداء الخَبَرِ الّذي يريدُ الخطيبُ إعلامَ النّاس به.

وقال بعض أهل التّأويل في قوله تعالى عن داود -عليه السّلام-: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (٢) إنه أمّا بعد (٣).

الفائدة الرّابعة (٤):

قوله (٥): "يا أُمَّةَ محمَّدٍ، والله، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثيرًا".

قال الإمامُ: هذا موضع هوَّلت به المبتدعةُ والمُلْحِدَةُ على أهل الدِّينِ، فقالوا: إنّ فيما أخبر النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - به من الأخبارَ الأُخْرَاوية أمورًا عظيمة ومعاني غريبة، وذكروا أَبَاطِيلَ كثيرة، وليس في قوله: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ" إلَّا أحد معنيين:

أ- الأوّل - أنّ معناه: لو علمتم عذابَ اللهِ بالمشاهدة (٦) كما رأيتُه أنا في النّار، لَبَكَيْتُم.

٢ - أو يكون معناه: لو دام عِلْمُكم كما يدوم عِلْمِي؛ لأنّ علم الأنبياء صلوات الله عليهم متواصلٌ لا يقطعه (٧) جَهْلٌ، ولا يُدْرِكه سَهْوٌ ولا خَيَالاَتٌ ولا غفلات.


(١) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في رواية مسلم (٩٠١)، والحديث بدون زيادة: "أمّا بعد" هو في الموطَّأ (٥٠٧) رواية يحيى.
(٢) سورة ص، الآية: ٢٠.
(٣) هو قول الشّعبيّ كلما رواه عنه الطّبريّ في تفسيره: ٢٣/ ١٤٠.
(٤) انظر جزء من هذه الفائدة في القبس: ١/ ٣٨٢.
(٥) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث الموطَّأ (٥٠٧) رواية يحيى.
(٦) ف: "الشاهد"، جـ: " شاهدًا"، والمثبت من القبس.
(٧) جـ: "لا يغطِّيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>