للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضُ الشّارحين للبخاري: إنّ قوله: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُم كثيرًا" إنّما قال لهم ذلك؛ لأنّهم كانوا مُقْبلِينَ على اللَّهْو واللَّعِبِ، وكذلك كانت عادة الأنصار قديمًا، يُحِبُّونَ الغِنَاء واللَّهو والضَّحِك. ألَّا ترى إلى قول النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - لعائشة في إقبالها من عُرْسٍ: "هل كان عندكم لَهْوٌ؛ فإنّ الأنْصَارَ تُحِبُّ اللَّهْوَ" (١) فدلَّ أنّ اللَّهْوَ من الذُّنوب ألتي تَوَاعد النّبيُّ (٢) عليها بالآيات، ولقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (٣) وهذا ضعيف جدًّا.

الفائدةُ الخامسة:

قوله (٤): "فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ" يريد أنّه أتَى بكلامٍ على نَظْمِ الخُطْبَةِ (٥).

ثمّ قال (٦): "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، واللهِ، مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ يَزْنِي، أَوْ أَمَتَهُ تَزْنِي".

توجيه (٧):

قوله: "مَا مِن أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ" والغَيْرَةُ هي تغيّر النَّفْسِ عند الحِفَاظِ على الأهل والقيام بالأَنَفَةِ في حمايتمما، وذلك كله مُحَالٌ على الله تعالى؛ لأنّه الموجودُ الّذي لا يتغيّر. وإنّما ضَرَبَ ذلك مثلًا النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عبّر به عن وعيد الله في الزِّنا، وعن (٨) عقوبته عليه في الدُّنيا بِالجلْد والرَّجْمِ، وفي الآخرة بالنَّار. والغيور إذا وجد في- نفسه الحِفَاظ قالَ وفعلَ، فعبَّرَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - عن وَعِيدِه وعَذَابِه بالغَيْرَةِ، تقريبًا له إلى الأفهام، على ما قدَّمنا لكم من قَبْلُ. قال المُهَلَّبُ (٩): وفيه دليلٌ على أنّ أكثر ما يُهَدَّدنَ عليه في ذلك الوقت بالكُسُوفِ، كان ذلك من أجل الزِّنَا، وذَلك عظيمٌ.


(١) أخرجه -مع اختلاف في الألفاظ- البخاريّ (٥١٦٢).
(٢) - صلّى الله عليه وسلم -.
(٣) الإسراءِ: ٥٩.
(٤) - صلّى الله عليه وسلم - كما في الموطَّأ (٥٠٧) رواية يحيى.
(٥) الشرح السابق مقتبس من المنتقى: ١/ ٣٢٧.
(٦) - صلّى الله عليه وسلم - كما في الموطَّأ (٥٠٧) رواية يحيى.
(٧) انظره في القبس: ١/ ٣٨١ - ٣٨٢.
(٨) غ، جـ: "عن" وزيادة الواو من القبس.
(٩) قول المهلب اقتبسه المؤلِّف من شرح ابن بطّال: ٣/ ٣٣ بتصرُّف.

<<  <  ج: ص:  >  >>