للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتراض (١):

فإن قيل: فأنتم تقولون: يقام الميت ويقعد، ونحنُ نشاهِدُه ساكنًا لا يتحرّك بوَجْهٍ!

قلنا: إنّ كان هذا السّائل كافرًا، فكلامُنَا معه في كُتُبِ الأصول، فيتبين متعلّق القدرة وكيفيّة الادراك، كان كان من القَدَرِيّة الّذين يقولون إنّ كان الميِّت يقام ويقعد ولا يُرَى، ويصيحُ فلا يُسْمَع، فهو من باب إنكار المحسوسات.

قلنا: قد كان جبريل -عليه السّلام- ينزلُ على النّبي - صلّى الله عليه وسلم - بالوحي مثل صَلْصَلَةِ (٢) الجَرَسِ (٣)، فيفهم عنه ولا يسمع أحدٌ ما يقول. والذي تحومون عليه مع إخوانكم الفلاسفة الكَفَرَة على إنكار ذلك كلِّه. ونحن لا نشترط أنّ يسمع واحدٌ مِنَّا مَا يَسمعه الآخر معه في موضعه، ولا أنّ يراه كما يراه، وإنّما السَّمعُ والرُّؤية أمران يجعلهما الله تارة للحيِّ (٤) بِجَرْيِ العادةِ ليستوي فيها المجتمعون. وتارةً يَخرُق العادة فيتقاولونَ في ذلك ويختلفون، ومَن لم يؤمن إلَّا بما يرى ويسمع فهو كافرٌ مُلْحِدٌ، وإنّما يسمع كلٌّ من حيث أُسْمعَ، ويُبصِر الّذي أُبْصرَ، ويختار الّذي اخْتِيرَ له. وهذا الغرض كافٍ والحمدُ لله، وسيأتي بيانُه في "كتاب الجنائز" (٥) إنّ شاء الله.

الفائدة الثّامنة (٦):

قوله (٧):" وأمّا المنافقُ أوِ المُرْتَابُ" وقوله (٨): "المُؤمِنُ أوِ المُوقِنُ " هو شكٌّ من الرَّاوي (٩)، والأظهرُ أنّه المُؤْمِن، لقوله: "فآمَنَّا" ولم يقل: أَيْقَنَّا.

"فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ" النّومُ ها هنا العودةُ إلى ما كان عليه. ووَصْفُه بالنَّوم وإن كان مَوْتًا لما يصحبه من الرَّاحة وصلاح الحالِ.


(١) انظره في القبس: ١/ ٣٨٥ مختصرًا.
(٢) الصلصلة هي صوت الحديد والجرس والفُخّار ممّا له طنين. انظر مشارق الأنوار: ٢/ ٤٤.
(٣) أخرجه البخاريّ (٢)، ومسلم (٢٣٣٣) من حديث عائشة.
(٤) جـ: "اللحيّ تارة".
(٥) جـ: "الجنائز الجامع".
(٦) هذه الفائدة مقتبسة من المنتقي: ١/ ٣٣١.
(٧) في حديث الموطَّأ (٥١٠) رواية يحيى.
(٨) في المصدر السابق.
(٩) يقول القنازعي في تفسيره للموطّأ: ورقة ٤٥ "فيه من الفقه: تحرِّي لفظ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، فيؤَدَّى كما سُمعَ منه، ولا يُنْقَل على المعنى".

<<  <  ج: ص:  >  >>