للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١) عطاء (٢): مُنِعْنَا الغَيثَ، فخرجنا نَسْتَسْقِي، فهذا نحن بِسَعْدُون المجنون في المقابر، فنظر إليَّ فقال: يا عَطَاء، أهذا يوم النُّشُور؟ أو بُعْثِرَ ما في القبور؟

فقلت: لا، ولكنا مُنِعْنَا الغَيْثَ فَخَرجنا نستسقِي.

فقال: يا عَطَاء، بقلوب أَرْضِيَّةِ أم بقلوبٍ سماويةِ؟

فقلت: بل بقلوبٍ سماوية.

فقال: هَيهَات يا عَطَاء، قُلْ للمُتبَهْرِجينَ لا تتبهرجوا فإنَّ النَّاقِدَ بصيرٌ، ثمّ رمقَ السَّماءَ بطَرْفهِ، وقال: إلهي وسيِّدِي، لا تُهْلِك بلادك بذنوب عبادك، ولكن بالمكنون (٣) من أسمائك، وما وَارَاتِ الحُجُبُ من آلائك إلَّا ما سَقَيْتَنْا ماءً غَدقًا، تحيي (٤) به العباد، وتروي به البلاد، يا مَنْ هو على كلِّ شيءٍ قديرٍ.

قال عطاء: فما استتَمَّ من كلامه (٥) حتّى أَرْعَدَتِ السَّماء وأبرقت، وجاء المطرُ كأفواهِ القُربِ، فَوَلَّى وهو يقولُ:

نعْمَ (٦) الزَّاهدونَ والعابدُونَ ... إذْ لِمَوْلاهُم أجاعوا البُطُونَا

أسْهَرُوا الأعينَ العليَّة فيه (٧) ... فانْقَضَى لَيلُهُمْ وهُم سَاهِرُونا

شَغَلَتهُم عبادة الله حتّى قيل ... في النّاس (٨) إنّ فيهم جُنُونَا

هم ألباء ذووا عقولٍ ولكن ... قد شجاهم جميع ما يعرفُونَا (٩)

وأنشدوا لسعدون المجنون أيضًا (١٠):

مَنْ عَامَلَ اللهَ بتَقواهُ ... وكان في الخَلوَةِ يَخشَاهُ


(١) جـ: ف: "قال ابن" والمثبت من الإحياء: ٣٠٨. إذ أنّ قول عطاء منقول منه.
(٢) في الإحياء: "عطاء السلمي".
(٣) في الإحياء: "بالسَّرِّ المكنون".
(٤) في الأحياء: "فراتا يحيى".
(٥) في الإحياء: "الكلام".
(٦) في الإحياء: "أفلح".
(٧) في الإحياء: "حبا".
(٨) في الإحباء: "حتّى حسب النّاس".
(٩) هذا البيت لم يرد في الأحياء، وقد ورد في صفحة الصفوة: ٤/ ٥١.
(١٠) انظرها في حلية الأولياء: ١٠/ ١٧٦، وصفة الصفوة: ٤/ ٤٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>