للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سقَاهُ كَأسًا مِن لَذِيذِ الصَّفَا ... يَمْنَعُ لذَّةَ (١) دنياهُ

وحُكِيَ (٢) عن عبد الله بن المبارَك أنّه قال: قدمتُ المدينةَ في عامٍ شديد القَحْطِ، فخرجَ النَّاسُ يَسْتَسْقُونَ وخرجت معهم، إذْ أقبل غلامٌ أَسْوَد، عليه قِطْعَتَا خَيْشِ، قد ارتدَأ (٣) بإحداهما وألقْى الأخرى على عاتِقِه، فجلس إلى جنبي فجعل (٤) يقول: إلهي، أَخلَقتِ الوجوهُ عند (٥) كثرة الذّنوب ومساوىء الأعمال، وقد حبستَ عنَّا غيثَ السَّماء لتُؤدِّب عبادك بذلك، فاسألك يا حليمًا ذَا أناةٍ، يا مَنْ لا يعرف عباده منه إلَّا الجميل، أنّ تسقيهم السّاعة السّاعة، فلم يزل يقول السّاعة السّاعة، حتّى اكتست (٦) السّماء بالغمام، وأقبل المَطَرُ من كلِّ مكانٍ (٧).

قال ابنُ المبارَك: فجئت إلى الفضيل، فقال لي: مالي أراك كئيبًا؟ فقلت: أمر (٨) سبقنا إليه غيرنا فتولّاهُ. قال: فقصصتُ عليه القِصَّة، فصاحَ الفُضَيْل وخَرَّ مغشيًّا عليه.

وللإمام في ذلك أبياتٌ (٩):

إليك إلهَ الخَلْقِ قاموا تَعَبُّدَا ... وذلّوا خضوعًا يرفعون الْيَدَا

بإخلاصِ قَلْبٍ وانتصابِ جوارحٍ ... يخِرُّونَ للأذقان يبكون سُجَّدَا

نهارُهُمُ صومٌ وليلُهُمُ هُدى ... وَدِينُهُمُ سِرُّ ودنياهُم سُدَا


(١) جـ: "عن لذيذ".
(٢) وردت هذه الحكاية في الإحياء: ١/ ٣٠٨، ريحتمل أنّ يكون المؤلِّف قد نقلها منه.
(٣) في الإحياء: " اتَّزرَ".
(٤) في الإحياء: "فسمعته".
(٥) ف، وا لاحياء: "عندك".
(٦) ف: "سمت"، جـ: "كست" والمثبت من الاحياء.
(٧) في الأحياء: "جانب".
(٨) " أمر" زيادة من الإحياء.
(٩) رواها عن الإمام ابن العربيِّ ابنه عبد الرّحمن - كما في التكملة لكتاب الصِّلة: ٣/ ٢٦ - قال: "أنشدني أبي لنفسه وأنا أقرأ على شعر أبي الطيِّب المتنبيِّ ... فقال لي أبي: اسمع ما أثدني بعض أهل العراق، فأنشدني" إلا أنّ ابن الأبّار روى هذه الأبيات من طريق آخر على أنّها من إنشاء ابن العربي نفسه قالها ارتجالًا وقد عاين المتهجّدين في ليلة سبع وعشرين من رمضان.

<<  <  ج: ص:  >  >>