للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُوِيَ (١) أنّ الله -جلَّت قدرتُه- أَوْحَى إلى مُوسى -عليه السّلام- أنّ يستسقي ببني إسرائيل بعد أنّ قحطوا سبع سنين، فخرج موسى -عليه السّلام- يستسقي لهم (٢) في سبعين ألفًا، فأَوْحَى اللهُ إليه: كيف استجيبُ لهم وقد أظلمت عليهم ذُنُوبهم سرائرهم، ويدعونَنِي على غير يَقِينٍ، ويَأمنون مَكْرِي، ارجع فإنّ عبدًا من عبادي يقالُ له: برخ، قل له: اخرج حتّى استجيب له. فسأل عنه موسى (٣)، فبينما موسى عليه السّلام يمشي ذات يومٍ في طريقٍ، فإذا هو بعَبْدٍ أَسْوَد قد استقبلَهُ، بين عيْنَيْه ترابٌ من أثَرِ السُّجود وهو في شملةٍ قد عقدها في عُنُقِه، فَعرَفَهُ موسى -عليه السّلام- بنور الله عزّ وجلّ، فسلَّم عليه، وقال: ما اسْمُكَ؟ قال: اسمي برخ. فقال له: أنْتَ طلَبُنَا منذ حينٍ، اخرُج فاسْتَسْقِ لبني إسرائيل، قال: فخرجَ، فكان من كلامه: ما هذا من فِعَالِكَ، ولا هذا من حُكْمِكَ، فما الّذي بَدَا لك؟ أَنَقَصَت (٤) عليك غيوثك؟ أم غارت الرِّياح عن طاعَتِكَ؟ أم نفد (٥) ما عندك؟ أم اشتد (٦) غضبك على المُذْنِبِينَ؟ ألستَ كنتُ غَفَّارًا قبل خَلْقِ الخَاطِئِينَ؟ خلقتَ الرَّحمة وأمرتَ بالعَطفِ فتكون لما تأمن (٧) الخائفين، أم تُرِينَا أنّك تمنع؟ أم تخشى الفَوْت فتُعَجَّل العقوبة؟

قال: فما بَرِحنَا حتّى اختلط بنو إسرائيل بالمَطَرِ، فأنبتَ اللهُ العُشْبَ في نِصْفِ يومٍ حتّى بلغ إلى الرِّكَابِ.

قال: فخرج برخ فاستقبله موسى -عليه السّلام-، وقال: كيف رأيتَ حين خَاصَمْتَ ربِّي كيف أَنْصَفَنِي، فَهَمَّ موسى -عليه السّلام- بِهِ، فأَوْحَى اللهُ تعالى إليه: إنّ برخًا يُضحِكني في كلِّ يومٍ ثلاث مرَّات.

قال الإمام: ومعنى الضَّحِك من البارى تعالى هو بمعنى الرَّضَا، كان برخ يُرْضِي ربَّه في كلِّ يوم ثلاث مرَّات؛ ولأن ذلك لا يجوز على الله؛ لأنّ الضَّحك من صفات المخلوقين لا من صفات الخَالِقِ، وأنشدوا:


(١) انظر نحو هذه الرِّواية في الأحياء: ٤/ ٣٤١، وكتاب التوّاببن لابن قدامة: ٧٩ - ٨١.
(٢) جـ: "يهم ".
(٣) ف: " موسى صلّى الله عليه".
(٤) جـ: "انقضت".
(٥) ف، جـ: "بقد" ولعل الصّواب ما أثبتناه.
(٦) ف: "اشد".
(٧) كذا ولعل الصواب: "لنا مأمن".

<<  <  ج: ص:  >  >>