للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدة الثّانية (١):

قوله حاكيًا (٢): "أصبحَ من عبادي مُؤْمِنٌ بِي وكافرٌ بِي" قال علماؤنا: إذا اعتقد المرء أنّ المطر مَنْ الأنواء وأنّها فاعلة له من دون الله فهو كافرٌ، ومَنِ اعتقدَ أنّها فاعلةٌ لكن بما جعلَ اللهُ فيها فهو أيضًا كافرٌ؛ لأنّه لا يصحّ أنّ يكون الخَلْقُ والأَمْرُ إلّا لله، كما قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (٣) ومن انتظرَها وتَوَكَّفَ (٤) المطر منها على أنّها عادة أجراها اللهُ فلا شيءَ عليه، فإنّ الله قد أَجْرَى العوائد في السَّحَاب والرِّيَاح والأمطار بمعاني تَرَتَّبَت في الخِلْقَةِ، وجاءت على نسق (٥) في العادة؛ ولهذاَ أدخل مالك هذا الحديث مُبيِّنَا لهذه الحقيقة، قوله: "إذًا أَنْشَاَتْ بَحْرِيَّة، ثُمَّ تَشَاءَمَتْ، فتلكَ عَيْنٌ غدَيقَةٌ" (٦)؛ لأنّ قدرةَ الباري تعالى قد يأتي المطر بالنَّوْءِ الثَّقيل، ومرَّة بغير نَوْءٍ كيف شاء، لا إله إلَّا هو. والَّذي أحبّ (٧) لكلِّ مؤمن أنّ يقول كمَا قال أبو هريرة (٨): مُطِرْنَا بفَضلِ اللهِ ورَحمَتِهِ (٩)، ويتلو الآية: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} الاَية (١٠).

ورُوي (١١) عن ابن عبّاس في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (١٢)، قال ذلك في الأنواء (١٣)، وهذا قولُ جماعة أهل التّفسير (١٤).

ورُوي عن سعيد بن أُمَيَّة؛ أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - سمعَ رَجُلًا في بعض أَسْفَارِهِ يقولُ: مُطِرْنَا بِبَعْضِ عثانين الاسد. فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "كذبتَ، بل هو سُقْيَا الله وَرِزقُه" (١٥)


(١) انظرها في القبس: ١/ ٣٨٧ - ٣٨٨.
(٢) أي حاكيًا عن الله تعالى.
(٣) الأعراف: ٥٤.
(٤) أي توقَّعَ.
(٥) جـ: "سنن".
(٦) أخرجه مالكٌ بلاغًا في الموطَّأ (٥١٧) رواية يحيي.
(٧) غ: "يجب".
(٨) في حديث الموطَّأ (٥١٨) رواية يحيى، بلاغًا.
(٩) لعل الصواب: "مطرنا بنوء الفتح" كما في الموطَّأ.
(١٠) فاطر:٢.
(١١) من هنا إلى آخر الفائدة مقتبس من الاستذكار: ٧/ ١٥٧ - ١٥٨.
(١٢) الواقعة: ٨٢.
(١٣) أخرجه بنحوه مسلم (٧٣).
(١٤) انظر تفسير الطّبريّ: ٢٧/ ٢٠٨.
(١٥) أخرجه الطّبريّ في تفسيره: ٢٦/ ٢٠٥، ٢٠٨، وابن عبد البرّ في التمهيد: ١٦/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>