للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا أبو حنيفة فتعلَّقَ بجواز الاسْتِدْبَارِ بحديثِ ابنِ عُمَر هذا (١)، ورآهُ (٢) ناسخًا فيه، وهذا باطلٌ؛ لأنّه قد بَيِّنَّا في "أصول الفقه" (٣) أنّ (٤) شروط النَّسْخ أربعةٌ، وهي ههنا مَعْدُومة، ولا يُسَلَّم له أنّ الأصل للإباحة.

وأمّا مالك والشّافعيّ فَجَعَلَا حديث ابن عمر أصلًا في جواز الاستدبار في الأبْنيَة، وقاسَا (٥) عليه جواز الاستقبال فيها.

قال الإمام: والمختار من ذلك؛ أنّه لا يجوز الاستقبال ولا الاستدبار في الصّحراء ولا في البُنْيان؛ لأنّا إنّ نظرنا إلى المعاني فقد بيَّنَّا أنّ الحُرْمَة للقِبْلَة، فلا تختلف في البادية ولا في الصّحراء، وإنْ نظرنا إلى الآثار، فإن حديث أبي أيّوب عامٌّ في كلِّ موضعٍ، مُعَلَّل بحُرمَةِ القِبْلة، وحديثُ ابن عمر لا يعارِضُه ولا حديث جابر لأربعة أَوْجُهٍ:

الأوّل: أنّه قولٌ وهذان فِعْلانِ، ولا معارضة بين القَوْلِ والفعل.

والثّاني: أنّ الفعلَ لا صِيغَةَ له، وإنّما هو حكاية حالٍ، وحكاياتُ الأحوال (٦) معارضة (٧) للأعذار، والأسبابُ والأقوالُ لا يحتمل فيها مِنْ ذلك شيءٌ، كما تقدَّم بيانُه، فلا معنى للتّطويل (٨).

المسألة الثّانية (٩):

قال علماؤنا (١٠): فإن كان التّعليل لحُرْمَةِ القِبْلَةِ، فلا يجوز الوَطْءُ إلى القِبْلَةِ.

قلنا: قد حَكى عبد الوهّاب (١١) عن ابن القاسم إباحته، وعن ابن حبيب


(١) يعني الحديث الّذي رواه مالكٌ في الموطَّأ (٥٢١) رواية يحيى.
(٢) غ، والعارضة: "ورواه".
(٣) انظر المحصول في علم الأصول: ٦٢/ أ - ٦٤ - أ.
(٤) "أنّ" زيادة من العارضة.
(٥) في العارضة: "فابتنيا".
(٦) جـ: "أحوال".
(٧) في العارضة: "معرضة".
(٨) تتمَّةُ الأوجه كما في العارضة: "الثالثُ: أنّ القول شرعٌ مبتدأٌ وفعله عادةٌ، والشرعُ مُقَدَّمٌ على العادة. الرّابعُ: أنّ هذا الفعل لو كان شرعًا لما تستّر به".
(٩) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٦/ ٣٣٦ - ٣٣٧ بتصرّف وزيادات.
(١٠) المقصود هو الإمام الباجي.
(١١) في المعونة: ١/ ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>